للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وفي رواية له أخرى: فأشار إليَّ، فيحمل قوله في حديث الباب: فلم يردَّ عليَّ؛ أي باللفظ، وكأن جابرًا لم يعرف أولًا أن المراد بالإشارة الردَّ عليه، فلذلك قال: فوقع في قلبي ما الله أعلم به؛ أي: من الحزن".

وانظر أيضًا: إكمال المعلم للقاضي عياض (٢/ ٤٧٠)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (٩/ ٣١٥).

• هكذا ذهب هؤلاء المحققين من العلماء إلى أن إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر إنما كانت ردًّا للسلام، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: "إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك إلا أني كنت أصلي" بيان للمانع من ردِّ السلام بالكلام، مثل قوله في حديث ابن مسعود: "إن في الصلاة لشغلًا ويؤكد هذا المعنى روايةُ مسلم: "فإنه لم يمنعني أن أكلِّمَك إلا أني كنت أصلي".

لكن ذهب ابن رجب إلى خلاف ذلك، وهو معنى متبادر أيضًا من فحوى القصة والنص، قال ابن رجب في الفتح (٦/ ٤١٨): "ويحتمل أنه إنما أشار إليه ليكف عن كلامه حينئذ، لم يكن ردًّا للسلام؛ ولهذا قال جابر: فلم يردَّ عليَّ، وذكر أنه وجد في نفسه ما الله به عليم، ولو علم أنه رد عليه بالإشارة لم يجد في نفسه إلى أن قال: "ولو كانت إشارته ردًّا، لقال: قد رددت عليك"، ثم ذكر رواية مسلم، ثم قال: "فهذه الرواية: تدل على أن إيماءه إليه إنما كان ليكف عن كلامه في تلك الحال".

قلت: والقول الأول أشبه بالصواب، والله أعلم.

فإن قيل: فما تقول في صنيع البخاري حين بوَّب في صحيحه على حديث ابن مسعود المتقدم برقم (٩٢٣)، وعلى حديث جابر الآتي بعد سطور، بقوله: "باب: لا يردُّ السلام في الصلاة فأقول: هو ظاهر الدلالة في النهي عن رد السلام بالكلام في الصلاة، وأن ذلك منسوخ، وقد دل على هذا المعنى حديث ابن مسعود الذي صدَّر به الباب، والذي دل على نسخ رد السلام بالكلام، ولا يلزم من هذه الترجمة أن تتناول النهي عن الرد بالإشارة، لا سيما وقد عقد البخاري هذا الباب في صحيحه ضمن كتاب العمل في الصلاة، وقد أورد في هذا الكتاب أحاديث كثيرة، ومنها ما قد دل على جواز الإشارة في الصلاة، فما الذي يمنع من رد السلام بالإشارة، وقد دل على ذلك حديث ابن عمر عن صهيب، وعن بلال، وحديث جابر، واستدل بها على هذا المعنى جماعة من الأئمة، والله أعلم.

• ولحديث جابر طريق أخرى:

رواه حماد بن زيد، وعبد الوارث بن سعيد:

عن كثير بن شنظير، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعثني في حاجة، فرجعت وهو يصلي على راحلته، ووجْهُه على غير القبلة، فسلمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ، فلما انصرف قال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي".

وفي رواية عبد الوارث: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجةٍ له، فانطلقت، ثم رجعت

<<  <  ج: ص:  >  >>