ثم جمع بين حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة، وبين حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة:"قسمت الصلاة"، بأن الأخير ينفي وجوب قراءتها عند أبي هريرة، ويكون أبو هريرة قرأ بها استحبابًا لا وجوبًا، وأنه إنما قرأ بها ليعرِّفهم استحباب قراءتها، وأن قراءتها مشروعة، كما جهر عمر بالاستفتاح، وكما جهر ابن عباس بقراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، ونحو ذلك، فلا يكون هذا مخالفًا لحديث أنس الذي في الصحيح، إلى أن قال:"هذا إن كان الحديث دالًا على أنه جهر بها؛ فإن لفظه ليس صريحًا بذلك من وجهين:
أحدهما: أنه قال قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم قرأ أم القرآن، ولفظ القراءة محتمل أن يكون قرأها سرًّا، ويكون نعيم علم ذلك بقربه منه، فإن قراءة السر إذا قويت يسمعها من يلي القارئ، ويمكن أن أبا هريرة أخبره بقراءتها، وقد أخبر أبو قتادة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وهي قراءة سر، كيف وقد بيَّن في الحديث أنها ليست من الفاتحة، فأراد بذلك وجوب قراءتها! فضلًا عن كون الجهر بها سُنَّة!؟ فإن النزاع في الثاني أضعف.
الثاني: أنه لم يخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأها قبل أم الكتاب، وإنما قال في آخر الصلاة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الحديث أنه أمَّن، وكبر في الخفض والرفع، وهذا ونحوه مما كان يتركه الأئمة، فيكون أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الوجوه التي فيها ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركوه هم، ولا يلزم إذا كان أشبههم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون صلاته مثل صلاته من كل وجه، ولعل قراءتها مع الجهر أمثل من ترك قراءتها بالكلية عند أبي هريرة، وكان أولئك لا يقرؤونها أصلًا، فيكون قراءتها مع الجهر أشبه عنده بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان غيره ينازع في ذلك".
ثم قال: "وأما حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، فيُعلم أولًا: أن تصحيح الحاكم وحده وتوثيقه وحده لا يوثَق به فيما دون هذا، فكيف في مثل هذا الموضع الذي يعارَض فيه بتوثيق الحاكم، وقد اتفق أهل العلم في الصحيح على خلافه، ومن له أدنى خبرة في الحديث وأهله لا يعارض بتوثيق الحاكم، وقد ثبت في الصحيح خلافه، فإن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما بلا نزاع، فكيف بتصحيح البخاري ومسلم، بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم ابن حبان البستي وأمثالهما، بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاره خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذي أحيانًا يكون مثل تصحيحه أو أرجح، وكثيرًا ما يصحح الحاكم أحاديث يُجزم بأنها موضوعة لا أصل لها، فهذا هذا.
والمعروف عن سليمان التيمي وابنه معتمر أنهما كانا يجهران بالبسملة، لكن نقله عن أنس هو المنكر، كيف وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى أن