وإذ ظهرت علة هذا الحديث، وانقطاعه، يظهر لك وجه العجب من قول الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بعبد المجيد بن عبد العزيز، وسائر الرواة متفق على عدالتهم، وهو علة لحديث شعبة وغيره عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ فإن قتادة على علو قدره يدلس، ويأخذ عن كل أحد، وإن كان قد أُدخل في الصحيح حديث قتادة، فإن في ضده شواهد، أحدها ما ذكرناه، ... " [مخطوط رواق المغاربة (١/ ١١٤/ أ)].
قلت: حديث قتادة عن أنس في غاية الصحة، ولا وجه لإعلاله، بل غيره يُعَلُّ به، إذ الصحيح يُعَلُّ به غيره، لا العكس، وقد ثبت سماع قتادة لهذا الحديث من جهتين، فإن شعبة لم يكن يحمل عن شيوخه إلا ما سمعوه من شيوخهم، لا سيما قتادة والأعمش وأبا إسحاق السبيعي، فقد قال فيهم:"كفيتكم تدليس ثلاثة"، ثم ذكرهم [معرفة السنن والآثار (١/ ٨٦)]، قال ابن حجر:"فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع، ولو كانت معنعنة" [طبقات المدلسين (٥٨)، النكت على كتاب ابن الصلاح (٢/ ٦٣٠ - ٦٣١)].
فكيف وقد جاء فيها التصريح بالسماع بما لا يدع مجالًا للشك؛ ففي رواية شعبة، قال: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس؟ قال: نعم، ونحن سألناه عنه، وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل، وسبق تقرير ذلك في موضعه، والله أعلم.
وقال الدارقطني:"كلهم ثقات"، قلت: نعم؛ لكنه معلول.
ب- ورواه أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن [هو: الدمشقي، ابن بنت شرحبيل، وهو: صدوق]: ثنا إسماعيل بن عياش [روايته عن أهل الحجاز ضعيفة، وهذه منها]: ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن جده؛ أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة حاجًّا أو معتمرًا، فصلى بالناس فلم يقرأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حين افتتح القرآن، وقرأ بأم الكتاب، فلما قضى الصلاة أتاه المهاجرون والأنصار من ناحية المسجد، فقالوا: أتركت صلاتك يا معاوية؟ أنسيتَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فلما صلى بهم الأخرى قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
أخرجه الدارقطني (١/ ٣١١).
قلت: قد وهم ابن عياش في زيادة: "عن جده" في هذا الإسناد، وقصر في متنه؛ فلم يذكر ترك التكبير:
• فقد رواه الفضل بن العلاء [ليس به بأس. التهذيب (٣/ ٣٩٤)]: ثنا ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أن معاوية قدم المدينة فصلَّى بالناس صلاةً فجهر فيها، ولم يقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم ركع فلم يكبر، ثم قام في الثانية فلم يكبِّر، فلما صلَّى وسلَّم، ناداه المهاجرون والأنصار من كلِّ ناحية: يا معاويةُ أسَرَقْتَ صلاتك أم نسيت؟ أين {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حين افتتحت أُمَّ القرآن؟ وأين الله أكبر؟