للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قلت: هذا صحيح، إذا عورضت رواية ابن أبي رواد برواية أبي عاصم النبيل مثلًا، فإن ابن أبي رواد يُقدَّم عليه [انظر فيما تقدم الحديث رقم (٥٤٥)]، وكذلك فإنه يُقدَّم على جماعةٍ ممن يروي عن ابن جريج، لكن ابن أبي رواد له مناكير عن ابن جريج، كما تقدم ذكره عن ابن عدي، وقد تقدم معنا أحاديث خالف فيها ابنُ أبي رواد بعضَ أصحاب ابن جريج، وفيهم عبد الرزاق، وكانت هذه الأحاديث من أوهام ابن أبي رواد على ابن جريج، أصاب فيها عبد الرزاق وغيره [انظر الحديثين المتقدمين برقمي (٤٦١ و ٦٤٦)].

وقبل أن نتكلم عن إسناد عبد الرزاق المحفوظ، ننبه على ما وقع في روايته من خطأ، يحتمل أن يكون من النساخ، أو من راوي المصنف نفسه، وهو: إسحاق بن إبراهيم الدبري، وقد تُكُلِّم في روايته عن عبد الرزاق، فإنه ممن سمع من عبد الرزاق بأخرة بعدما عمي وأضر، كما أن الدبري كان يصحف، ويحرف [شرح العلل لابن رجب (٢/ ٧٥٤)، اللسان (٢/ ٣٦)]، وهذا الخطأ هو ما وقع في النسخة المطبوعة من المصنف، وفي ثقات ابن حبان هكذا: "عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد"، بزيادة "بن" بين عبدِ الله وكنيتِه أبي بكر، إذ المعروف في هذه الطبقة هو: أبو بكر عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، وهو مشهور بكنيته: أبو بكر بن حفص، وهو: ثقة، روى عن أنس بن مالك وابن عمر وغيرهما، وروى عنه: عبد الله بن عثمان بن خثيم، وابن جريج، وغيرهما، وهذا هو الموافق لما رواه ابن أبي رواد، كما أن جماعة ممن ذكر الاختلاف بين رواية ابن أبي رواد وعبد الرزاق، مثل: ابن عبد البر وابن رجب، لم يذكروا اختلافًا سوى إسقاط أنس من إسناد عبد الرزاق، والله أعلم [انظر: كنى البخاري (١٠)، التاريخ الكبير (٥/ ٧٦)، كنى مسلم (٢٧٨)، كنى الدولابي (١/ ٣٦٩)، الجرح والتعديل (٥/ ٣٦) و (٩/ ٣٣٨)، الثقات (٥/ ١٢ و ٥٠ و ٥٦٣ و ٥٧٦) و (٧/ ٦٥٦)، تهذيب الكمال (١٤/ ٤٢٣) وأبو بكر بن حفص هذا له ولدان: سعيد وعبد الملك، ولم أجد له ولدًا يقال له عبد الله، والله أعلم.

وعليه: فإن إسناد عبد الرزاق بعد تصحيح الخطأ: إسناد ليس بمتصل، لعدم ثبوت سماع أبي بكر بن حفص من معاوية، ولكونه يحكي واقعة الأغلب أنه لم يدركها، فإنه لم يسمع من أبي هريرة ولا من عائشة [قاله أبو حاتم. المراسيل (٩٥٦ و ٩٥٧)]، ووفاة معاوية كانت بعد وفاتيهما بما يقرب من سنة إلى ثلاث سنين [سنة (٦٠) لذا قال ابن حبان: "يروي عن معاوية؛ إن كان سمع منه".

ومما يزيد ذلك وضوحًا، وهو أنه لم يسمع من معاوية: تأخر وفاة من سمع منهم أبو بكر من الصحابة، مثل عبد الله بن عمر [توفي سنة (٧٣) أو (٧٤)]، وأنس بن مالك [توفي سنة (٩٢) أو (٩٣)]، وأن أكثر روايته عن التابعين، ولذا فإن البخاري ومسلمًا لم يخرجا له عن أحد من الصحابة، وإنما أخرجا له كلاهما أو أحدهما عن: عروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن حنين، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>