• قال ابن عبد الهادي:"الجواب عن حديث ابن عباس يتوجه من وجوه: أحدها: الطعن في صحته، فإن مثل هذه الأسانيد لا يقوم بها حجة لو سلمت من المعارض، فكيف وقد عارضها الأحاديث الصحيحة، وصحة الإسناد يتوقف على ثقة الرجال، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ والعلة، الثاني: أن المشهور في متنه لفظ الاستفتاح لا لفظ الجهر، الثالث: أن قوله: جهر؛ إنما يدل على وقوعه مرة؛ لأن "كان" يدل على وقوع الفعل، وأما استمراره فيفتقر إلى دليل من خارج، وما روي من أنه لم يزل يجهر بها فباطل كما سيأتي إن شاء الله تعالى، الرابع: أنه روي عن ابن عباس ما يعارض ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قراءة الأعراب، وكذلك رواه الطحاوي، ويقوي هذه الرواية عن ابن عباس: ما رواه الأثرم بإسناد ثابت عن عكرمة تلميذ ابن عباس؛ أنه قال: أنا أعرابي إن جهرت بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكأنه أخذه عن شيخه ابن عباس، والله أعلم" [نصب الراية (١/ ٣٤٧)، [وانظر: نخب الأفكار (٣/ ٦٠٧)].
• قلت: قد صح في هذا عن ابن عباس موقوفًا عليه [وقد أعرضت صفحًا عما فيه مقال]:
فقد روى حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة؛ أن ابن عباس كان يستفتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ويقول: إنما هو شيء استرقه الشيطان من الناس.
أخرجه ابن المنذر (٣/ ١٢٧/ ١٣٥٦).
وهذا موقوف على ابن عباس، بإسناد صحيح على شرط البخاري [انظر: التحفة (٤/ ٥٣٥ - ٥٤٦)].
وانظر فيمن وهم فيه على أيوب: مصنف عبد الرزاق (٢/ ٩٠/ ٢٦١٠) و (٢/ ٩٢/ ٢٦٢٠).
• وروى الثوري، وزهير بن معاوية، وشريك بن عبد الله النخعي:
عن عبد الملك بن أبي بشير [وهو: ثقة][قرن زهير مع عبد الملك: عاصمًا]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قراءة الأعراب.
أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٨٩/ ٢٦٠٥)، وابن أبي شيبة (١/ ٣٦١/ ٤١٤٣)، وابن المنذر (٣/ ١٢٧/ ١٣٥٩)، والطحاوي (١/ ٢٠٤).
وهذا موقوف على ابن عباس قوله، بإسناد صحيح.
وتابع عبد الملك عليه بنحوه: أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان [وهو: ضعيف].
أخرجه البزار (٥٢٥ - كشف).
وقيل: معنى قول ابن عباس: قراءة الأعراب: أن الأعراب يحسنون ذلك، فيعيِّرُهم بفعل الأعراب إذا تركوا الجهر بها [قاله إسحاق بن راهويه. مسائل الكوسج (١٩٨)].