ولعله لذلك قال ابن عبد البر في الإنصاف (٣٦): "هذه الرواية ضعيفة في تأويل هذه الآية، لم يتابع عليها الذي جاء بها".
وقال ابن عبد الهادي:"مع أنه ورد في الصحيح أن هذه الآية نزلت في قراءة القرآن جهرًا، لا في البسملة، أخرجه البخاري في صحيحه: عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختفٍ بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإن سمعه المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبيه:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أي: بقراءتك، فيسب المشركون، فيسبوا القرآن، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [نصب الراية (١/ ٣٤٦)].
وقال ابن حجر في الدراية (١/ ١٣٤): "فهذا أصل الحديث"؛ يعني: رواية البخاري.
• قلت فعلى هذا: فإن الصواب من حديث سعيد بن جبير في هذه القصة:
هو ما رواه أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله عز وجل:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، قال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوارٍ [وفي رواية: مختفٍ] بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمع المشركون قراءتك، [وفي رواية: فيسبوا القرآن]، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك: أسمعهم القرآن، ولا تجهر ذلك الجهر، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، يقول: بين الجهر والمخافتة.
أخرجه البخاري في الصحيح (٤٧٢٢ و ٧٤٩٠ و ٧٥٢٥ و ٧٥٤٧)، وفي خلق أفعال العباد (٣٤٨ - ٣٥٠)، ومسلم (٤٤٦)، وأبو عوانة (١/ ٤٤٩/ ١٦٦٠ و ١٦٦١)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (٢/ ٦٦/ ٩٩١)، والترمذي (٣١٤٥ و ٣١٤٦)، وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (٢/ ١٧٧ و ١٧٨/ ١٠١١ و ١٠١٢)، وفي الكبرى (٢/ ٢٤ و ٢٥/ ١٠٨٥ و ١٠٨٦) و (١٠/ ١٥٧/ ١١٢٣٧)، وابن خزيمة (٣/ ٣٩ - ٤٠/ ١٥٨٧)، وابن حبان (٥/ ٩٨/ ١٧٩٦) و (١٤/ ٥٢١/ ٦٥٦٣)، وأحمد (١/ ٢٣ و ٢١٥)، والبزار (١١/ ٢٥٥ و ٢٥٦/ ٥٠٤٠ و ٥٠٤١)، وابن جرير الطبري في تفسيره (١٥/ ١٨٤ - ١٨٦)، وأبو العباس السراج في مسنده (٨١٩)، وابن المنذر في الأوسط (٤/ ١٩٤/ ٢٠١٨)، والطحاوي في أحكام القرآن (١/ ٢٣٩/ ٤٦٦ و ٤٦٧)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات" (٢٤٧)، والطبراني في الكبير (١٢/ ٤٣/ ١٢٤٥٤)، والبيهقي في السنن (٢/ ١٨٤ و ١٩٥)، وفي الأسماء والصفات (٢/ ١١٦)، والواحدي في أسباب النزول (٢٩٧)، وفي تفسيره الوسيط (٣/ ١٣٣).
• فظهر بذلكم جميعًا: بطلان هذه الواقعة التي يحكيها سالم بن عجلان الأفطس عن سعيد بن جبير مرسلًا، والله أعلم.