قلت: الوهم فيه من شيخ البيهقي والثعلبي؛ فإنه كمان كان إمامًا عالمًا مفسرًا أديبًا؛ إلا إنه لم يوصف بالحفظ، بل ولم يوثقه أحد ممن ترجم له، بل قال الذهبي في السير:"وقد تكلم فيه الحاكم في رقعة نقلها عنه مسعود بن علي السجزي"، وقال في المغني:"وهَّاه الحاكم في رقعة بخطه" [تاريخ جرجان (١٩٠)، المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور (٤٨٢)، السير (١٧/ ٢٣٧)، المغني (١/ ١٦٦)، تاريخ الإسلام (٢٨/ ١٤١)، طبقات المفسرين (٤٥)]، وأما شيخه: يحيى بن محمد بن عبد الله بن عنبر أبو زكريا العنبري؛ فهو: ثقة حافظ [تاريخ نيسابور (٩٢٩)، السير (١٥/ ٥٣٣)، طبقات الشافعية الكبرى (٣/ ٤٨٥)].
• تابع شريكًا على إرساله: محمد بن مسلم بن أبي الوضاح أبو سعيد المؤدب [وهو: ثقة. [التهذيب (٣/ ٧٠٠)]:
فقد رواه هاشم بن القاسم، قال: ثنا أبو سعيد، قال: ثنا سالم، عن سعيد:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}؟ قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع صوته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكان مسيلمة قد تسمَّى بالرحمن، فكان المشركون إذا سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: قد ذكر مسيلمة إله اليمامة، ثم عارضوه بالمُكاء والتَّصدية والصفير، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}.
أخرجه ابن أبي شيبة (٢/ ١٩٩/ ٨١٠٠).
وقد ادعى بعضهم بأن هذا لو ثبت لكان دليلًا على النسخ، لكن يُشكل عليه ما أورده ابن حجر في الدراية (١/ ١٣٦)، حيث قال:"ولفظ: الرحمن في بقية الفاتحة، وهو قول:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بعد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فلا معنى للإسرار بالبسملة لأجل ذكر الرحمن، مع وجود ذكر الرحمن عقب ذلك".
وقال الحازمي في الاعتبار (١/ ٣٣٥): "وطريق الإنصاف أن يقال: أما ادعاء النسخ في كلا المذهبين متعذر؛ لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة، فقد فُقد هاهنا، فلا سبيل إلى القول به، وأما أحاديث الإخفات فهي أمتن،. . ."، وإن كان ذهب بعد ذلك إلى تعليل رواية عدم الجهر في حديث أنس.
وقد ذهب بعضهم إلى إنكار هذه الرواية لكون ادعاء مسليمة للنبوة وتسميه بالرحمن إنما كان في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهذه السورة مكية، والواقعة هنا تحكي قصة وقعت بمكة قبل الهجرة، وهذا الذي ذهب إليه صحيح؛ فإن تنبؤ مسيلمةكان في عام الوفود سنة تسع [انظر: صحيح البخاري (٣٦٢٠ و ٣٦٢١) وأطرافهما و (٤٣٧٧)، صحيح مسلم (٢٢٧٣ و ٢٢٧٤)، السيرة النبوية لابن هشام (٥/ ٢٧٣ و ٣٠٠ و ٣٠٣)، طبقات ابن سعد (١/ ٢٧٣ و ٣١٦)، تاريخ الطبري (٢/ ١٩٩)، زاد المعاد (٣/ ٦١٠)، الفتح لابن حجر (٨/ ٩١)، وغيرها].