لكن هذا محمول على وقوع الاختلاف بين أصحاب شعبة، فحينئذ يرجعون إلى كتاب غندر، أما والحال هنا على الاتفاق فيما بينهم بما يخالف غندر، وفيهم من هو أثبت في شعبة منه مثل: يحيى بن سعيد القطان ومعاذ بن معاذ العنبري، ولم ينفردا بل تابعهما من أصحاب شعبة: أبو داود الطيالسي ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة وأبو خالد الأحمر، فهذا مما يجعل النفس تطمئن إلى قول الجماعة من أصحاب شعبة، وهو أولى عندي بالصواب، والله أعلم.
أو يقال: إن أبا زرعة مال إلى تخطئة من سلك فيه الجادة، فقال: عن عبد الله بن زيد؛ لأن أكثر رواية عباد عن عمه، فمن قال: عن جدته أم عمارة، فقد حفظ ما لم يحفظه غيره، والله أعلم.
وقد مال إلى تصحيح رواية الجماعة من أصحاب شعبة: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء المقدسي.
وقد أخرج روايتهم:
النسائي في الإغراب (٤٩ و ٥٠)، وابن خزيمة (١/ ٦٢/ ١١٨)، وابن حبان (٣/ ٣٦٣ و ٣٦٤/ ١٠٨٢ و ١٠٨٣)، والحاكم (١/ ١٤٤ و ١٦١ - ١٦٢)، والضياء في المختارة (٩/ ٣٦٤ و ٣٦٨ و ٣٦٩/ ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٣٣٧ - ٣٣٩)، وأحمد (٤/ ٣٩)، والطيالسي (١١٩٥)، والروياني (١٠٠٩)، والطحاوي في شرح المعاني (١/ ٣٢)، والهيثم بن كليب الشاشي (٣/ ٤٥/ ١٠٨٨)، والبيهقي (١/ ١٩٦).
لفظ ابن أبي زائدة، وبنحوه معاذ بن معاذ:[وهما متقنان]: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بثلثي مد، فجعل يدلك ذراعيه. وفي رواية لابن أبي زائدة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ومسح بأذنيه.
والحديث صححه أيضًا: ابن حزم في المحلى (٥/ ٢٤٢ - ٢٤٣).
وأما قول البخاري في التاريخ الكبير (٦/ ٣٥): "عباد بن تميم المازني الأنصاري المديني عن عمه عبد الله بن زيد، ... " فلا يعتبر حجة في دعوى الانقطاع وعدم السماع، فالبخاري نفسه ومسلم قد أخرجا لعباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد: سبعة أحاديث، اتفقا على ستة منها، وانفرد البخاري بواحد، وقد جاء التصريح بسماع عباد من عمه عبد الله بن زيد عند البخاري نفسه، وهذه بعض الأسانيد التي وقفت فيها على سماع عباد من عمه [البخاري (١٠٢٣ و ١٠٢٨)، مسلم (٨٩٤)، مالك في الموطأ (١/ ١٩٠/ ٤٤٨)، ابن خزيمة (٢/ ٣٣٩/ ١٤٢٤)، أبو داود (١١٦٦ و ١١٦٧)، النسائي (٣/ ١٥٧/ ١٥٠٩) و (٣/ ١٦٣/ ١٥١٩)، الدارمي (١/ ٤٣٢ و ٤٣٣/ ١٥٣٣ و ١٥٣٤)، أحمد (٤/ ٤١)، البيهقي (٣/ ٣٤٨ و ٣٤٩)، وغيرها] [وانظر: تحفة الأشراف (٤/ ٣٣٧) وما بعدها].
وعلى هذا فهو حديث صحيح، متصل الإسناد، رجاله ثقات.
• وهذا هو أقل مقدار من الماء توضأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت عنه، وأما ما يروى من أنه توضأ بنصف مد؛ فلا يصح.