الأتان بين يديه بإعادة الصلاة، والخبر ثابت صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: الكلب الأسود والمرأة الحائض والحمار يقطع الصلاة، وما لم يثبت خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضد ذلك لم يجز القول والفتيا بخلاف ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -".
وقال بعد خبر صهيب عن ابن عباس: "وليس في هذا الخبر: أن الحمار مر بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قال: فمررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه اللفظة تدل أن ابن عباس مر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزوله عن الحمار؛ لأنه قال: فمررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، ...
وهذا الخبر ظاهره كخبر عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: أن الحمار إنما مر بين يدي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك، فإن كان في الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بمرور الحمار بين يدي بعض من كان خلفه، فجائز أن تكون سترة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت سترة لمن خلفه؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان يستتر بالحربة إذا صلى بالمصلى، ولو كانت سترتُه لا تكون سترةً لمن خلفه لاحتاج كل مأموم أن يستتر بحربة، كاستتار النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، فحمل العنزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - يستتر بها دون أن يأمر المأمومين بالاستتار خلفه، كالدال على أن سترة الإمام تكون سترة لمن خلفه، ...
ثم قال: ففي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل مؤخرة الرحل يكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه" دلالة واضحة إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل ضره مرور الدواب بين يديه، والدواب التي تضر مرورها بين يديه هي الدواب التي أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تقطع الصلاة، وهو الحمار والكلب الأسود على ما أعلم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا غيرهما من الدواب التي لا تقطع الصلاة".
وقد احتج ابن خزيمة على ما ذهب إليه بحديث هشام بن حسان عن حميد بن هلال بلفظ: "تعاد الصلاة من: ممر الحمار، والمرأة، والكلب الأسود"، وهي رواية شاذة من حديث أبي ذر، والمحفوظ فيه رواية الجماعة: "يقطع الصلاة إذا لم يكن بين يدي الرجل مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود"، وقد تبعه على ذلك ابن حبان في صحيحه، حيث قال (٦/ ١٥١): "ذكر البيان بأن صلاة المرء إنما تقطع من مرور الكلب والحمار والمرأة، لا كونهن واعتراضهن"، والله أعلم.
وقد ذهب إلى القول بالنسخ: الطحاوي، وابن عبد البر [شرح المعاني (١/ ٤٥٨)، التمهيد (٢١/ ١٦٨)]، وعزى الحازمي في الاعتبار (١/ ٣١٩) القول بالنسخ إلى جماعة من أهل العلم، ولابن حزم كلام طويل في الباب، يراجع المحلى (٤/ ١٢)، وانظر أيضًا: الاستذكار (٢/ ٨٤)، التمهيد (٢١/ ١٦٧).
قال ابن عبد البر في التمهيد (٢١/ ١٦٨): "وقال جمهور العلماء: لا يقطع الصلاة شيء، وهو قول: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابهم، والثوري، وأبي ثور، وداود، والطبري، وجماعة من التابعين.