وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، شيخ مسدد هو القطان، وشيخ ابن المنذر هو يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري، ولكنها رواية شاذة، مخالفة لما رواه الثقات من أصحاب عائشة - رضي الله عنها -، فإنها كانت ترى أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، وأنكرت على من شبَّه المرأة وعدلها بالكلب والحمار، وممن روى عنها ذلك من أصحابها: ابن أختها عروة بن الزبير، وابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر، والأسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني [انظر الأحاديث المتقدمة برقم (٧١٠ - ٧١٤)]، وهؤلاء من أثبت أصحابها، وأكثرهم عنها رواية، وكذلك فقد رواه اثنان من الثقات: عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، وطلق بن حبيب، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة بما يوافق رواية أصحابها، وحفظا فيه القصة، فدل ذلك على شذوذ رواية يعلى بن حكيم، ولا يقال بأن رواية يعلى مقيدة بالمرأة السوداء دون غيرها، فيقال: لون بشرة المرأة لا أثر له في الحكم، وهو وصف طردي غير مؤثر في قطع الصلاة، بخلاف وصف الكلب بالأسود، فإنه وصف مؤثر، حيث جاء النص بتعليله بكونه شيطانًا، بخلاف غيره من الكلاب، وهذا المعنى غير موجود في المرأة، والله أعلم.
• نعود مرة أخرى إلى رواية صفية بنت شيبة [في المحفوظ عنها]:
فإن قيل: لعل عائشة قالت ذلك في تخصيص القطع بالكلب والهر الأسود، لما روي عنها مرفوعًا من أن الكلب الأسود شيطان:
فقد روى شيبان أبو معاوية، عن ليث بن أبي سليم [ضعيف]، عن مجاهد، عن الأسود، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الكلب الأسود البهيم شيطان".
أخرجه أحمد (٦/ ١٥٧ و ٢٨٠)، والطبراني في الأوسط (٣/ ٢٣٣/ ٣٠١٣)، والدارقطني في الأفراد (٢/ ٤٢١/ ٥٩٩٤ - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (٣٣٤)(٢٤٨٩ - المخلصيات).
قال الطبراني:"لم يرو مجاهد عن الأسود عن عائشة غير هذا، ولا رواه عنه إلا ليث، ولا عن ليث إلا شيبان".
وقال الدارقطني:"تفرد به شيبان عن ليث عن مجاهد، ولم يروه بهذا الإسناد غير الحسن بن موسى الأشيب".
قلت: لم يتفرد به الحسن بن موسى، تابعه عليه: أبو النضر هاشم بن القاسم، فالمتفرد به شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو: ثقة.
وهذه رواية منكرة، وهي من تخاليط ليث بن أبي سليم، فقد رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة.
أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٢٥٢/ ٢٨٩٧).
ورواه خيثمة بن عبد الرحمن، عن الأسود، عن عائشة، قالت: لا يقطع الصلاة شيء؛ إلا الكلب الأسود. وتقدم.