للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الأعلى]

تسع عشر آية مكية

[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤)

فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥)

اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: اسْمَ رَبِّكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ بِتَنْزِيهِ اسْمِ اللَّهِ وَتَقْدِيسِهِ وَالثَّانِي: أَنَّ الِاسْمَ صِلَةٌ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَفِي اللَّفْظِ احْتِمَالَاتٌ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ نَزِّهِ اسْمَ رَبِّكَ عَنْ أَنْ تُسَمِّيَ بِهِ غَيْرَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَهْيًا عَلَى أَنْ يُدْعَى غَيْرُهُ بِاسْمِهِ، كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الصَّنَمَ بِاللَّاتِ، وَمُسَيْلِمَةَ بِرَحْمَانِ الْيَمَامَةِ وَثَانِيهَا: أَنْ لا يفسر أسماءه بِمَا لَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ نَحْوَ أَنْ يُفَسَّرَ الْأَعْلَى بِالْعُلُوِّ فِي الْمَكَانِ والاستواء بالاستقرار بل يفسر العلو بالقهر والاقتداء وَالِاسْتِوَاءُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَثَالِثُهَا: أَنْ يُصَانَ عَنِ الِابْتِذَالِ وَالذِّكْرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْخُشُوعِ وَالتَّعْظِيمِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنْ يَذْكُرَ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ عِنْدَ الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى مَعَانِيهَا وَحَقَائِقِهَا وَرَابِعُهَا: أَنْ يكون المراد بسبح باسم رَبِّكَ، أَيْ مَجِّدْهُ بِأَسْمَائِهِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا عَلَيْكَ وَعَرَّفْتُكَ أَنَّهَا أَسْمَاؤُهُ كَقَوْلِهِ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] وَنَظِيرُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الْوَاقِعَةِ: ٧٤] وَمَقْصُودُ الْكَلَامِ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، أَيْ صَلِّ بِاسْمِ رَبِّكَ، لَا كَمَا يُصَلِّي الْمُشْرِكُونَ بِالْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَالثَّانِي:

أَنْ لَا يَذْكُرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ إِلَّا بأسماء الَّتِي وَرَدَ التَّوْقِيفُ بِهَا، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا فرق بين سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وبين فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ معنى فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ نَزِّهِ اللَّهَ تَعَالَى بِذِكْرِ اسْمِهِ الْمُنْبِئِ عَنْ تَنْزِيهِهِ وَعُلُوِّهِ عَمَّا يَقُولُ الْمُبْطِلُونَ، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ أَيْ نَزِّهِ الِاسْمَ مِنَ السُّوءِ وَخَامِسُهَا: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ:

الْمُرَادُ مِنَ الِاسْمِ هَاهُنَا الصِّفَةُ، وَكَذَا فِي/ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الْأَعْرَافِ: ١٨٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>