قَلِيلٌ، فَقَالَ: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً فَكَرَّرَ وَخَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِزِيَادَةِ التَّسْكِينِ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالتَّصَبُّرُ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ تَكْبِيرَ رُوَيْدٍ رَوْدٌ، وَأَنْشَدَ:
يَمْشِي وَلَا تُكَلِّمُ الْبَطْحَاءُ مِشْيَتَهُ ... كَأَنَّهُ ثَمِلٌ يمشي على ورد
أَيْ عَلَى مَهْلَةٍ وَرِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ فِي بَابِ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ رُوَيْدًا زَيْدًا يُرِيدُ أَرْوِدْ زَيْدًا، وَمَعْنَاهُ أَمْهِلْهُ وَارْفُقْ بِهِ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ: رُوَيْدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْأَمْرِ كقولك: رويد زيدا تريد أرود زيد أَيْ خَلِّهِ وَدَعْهُ وَأَرْفِقْ بِهِ وَلَا تَنْصَرِفُ رُوَيْدَ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَمَكِّنَةٍ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمَصَادِرِ فَيُضَافُ إِلَى مَا بَعْدَهُ كَمَا تُضَافُ الْمَصَادِرُ تَقُولُ: رُوَيْدَ زَيْدٍ، كَمَا تَقُولُ: ضَرْبُ زَيْدٍ قَالَ تَعَالَى: فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّدٍ: ٤] ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ نَعْتًا مَنْصُوبًا كَقَوْلِكَ: سَارُوا سَيْرًا رُوَيْدًا، وَيَقُولُونَ أَيْضًا: سَارُوا رُوَيْدًا، يَحْذِفُونَ الْمَنْعُوتَ/ وَيُقِيمُونَ رُوَيْدًا مَقَامَهُ كَمَا يَفْعَلُونَ بِسَائِرِ النُّعُوتِ الْمُتَمَكِّنَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ: ضَعْهُ رُوَيْدًا أَيْ وَضْعًا رويدا، وتقول للرجل: يعالج الشيء الشَّيْءَ رُوَيْدًا، أَيْ عِلَاجًا رُوَيْدًا، وَيَجُوزُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رُوَيْدًا حَالًا وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نَعْتًا فَإِنْ أَظْهَرْتَ الْمَنْعُوتَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِ، وَالَّذِي فِي الْآيَةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْمَصْدَرِ كَأَنَّهُ قِيلَ:
إِمْهَالًا رُوَيْدًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِ أَيْ أَمْهِلْهُمْ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا صُغِّرَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الَّذِي جَرَى يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي سَائِرِ الْغَزَوَاتِ لَا يَعُمُّ الْكُلَّ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ عَمَّ الْكُلَّ، وَلَا يَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَتِهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، مِمَّا نَالَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ زَجْرٌ وَتَحْذِيرٌ لِلْقَوْمِ، وَكَمَا أَنَّهُ تَحْذِيرٌ لَهُمْ فَهُوَ تَرْغِيبٌ فِي خِلَافِ طَرِيقِهِمْ فِي الطَّاعَاتِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute