للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَما يَشْعُرُونَ عَائِدٌ إِلَى الْأَصْنَامِ، وَفِي الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: يُبْعَثُونَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْعَابِدِينَ لِلْأَصْنَامِ يَعْنِي أَنَّ الْأَصْنَامَ لَا يَشْعُرُونَ مَتَى تُبْعَثُ عَبَدَتُهُمْ، وَفِيهِ تَهَكُّمٌ بِالْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَقْتَ بَعْثِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ وَقْتُ جَزَاءٍ مِنْهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْأَصْنَامِ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لَا تَعْرِفُ مَتَى يَبْعَثُهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَصْنَامَ وَلَهَا أَرْوَاحٌ وَمَعَهَا شَيَاطِينُهَا فَيُؤْمَرُ بِهَا إِلَى النَّارِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْنَامُ جَمَادَاتٌ، وَالْجَمَادَاتُ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا أَمْوَاتٌ، وَلَا تُوصَفُ بِأَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ كَذَا وَكَذَا.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجَمَادَ قَدْ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مَيِّتًا قَالَ تَعَالَى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الروم: ١٩] . الثاني: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا وَصَفُوا تِلْكَ الْأَصْنَامَ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ قِيلَ لَهُمْ، لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ أَمْوَاتٌ وَلَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ عَلَى وَفْقِ مُعْتَقَدِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ، وَكَانَ نَاسٌ مِنَ الْكُفَّارِ يَعْبُدُونَهُمْ فَقَالَ اللَّهُ إِنَّهُمْ أَمْوَاتٌ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ غَيْرُ أَحْيَاءٍ، أَيْ غَيْرُ بَاقِيَةٍ حَيَاتُهُمْ: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أَيْ لَا عِلْمَ لهم بوقت بعثهم والله أعلم.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]

إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا زَيَّفَ فِيمَا تَقَدَّمَ طَرِيقَةَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَبَيَّنَ فَسَادَ مَذْهَبِهِمْ بِالدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ قَالَ: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مَا لِأَجْلِهِ أَصَرَّ الْكُفَّارُ عَلَى الْقَوْلِ بِالشِّرْكِ وَإِنْكَارِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَيَرْغَبُونَ فِي الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ الدَّائِمِ وَيَخَافُونَ الْوُقُوعَ فِي الْعِقَابِ الدَّائِمِ إِذَا سَمِعُوا الدَّلَائِلَ وَالتَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ، خَافُوا الْعِقَابَ فَتَأَمَّلُوا وَتَفَكَّرُوا فِيمَا يَسْمَعُونَهُ، فَلَا جَرَمَ يَنْتَفِعُونَ بِسَمَاعِ الدَّلَائِلِ، وَيَرْجِعُونَ مِنَ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ، أَمَّا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَيُنْكِرُونَهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَرْغَبُونَ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ وَلَا يَرْهَبُونَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْعِقَابِ فَيَبْقُونَ مُنْكِرِينَ لِكُلِّ كَلَامٍ يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَيَسْتَكْبِرُونَ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ، فَلَا جَرَمَ يَبْقُونَ مُصِرِّينَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ.

ثم قال تَعَالَى: لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّ إِصْرَارَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ تَصَوَّرُوهَا أَوْ إِشْكَالٍ تَخَيَّلُوهُ، بَلْ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّقْلِيدِ وَالنَّفْرَةِ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ وَالشَّغَفِ بِنُصْرَةِ مَذَاهِبِ الْأَسْلَافِ وَالتَّكَبُّرِ وَالنَّخْوَةِ. فَلِهَذَا قَالَ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَهَذَا الْوَعِيدُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ المتكبرين.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>