والأمر الثاني: أن أكثر الناس اتجهوا إلى القرآن الكريم وكأنهم سئموا هذا التخبط الشائن والاضطراب المعيب، ورأوا بأنفسهم أن القوانين الوضعية لم تفلح في منع الجرائم وفي الحفاظ على الحقوق، بل كأنهم شبعوا حتى أتخموا من هذه الحياة المادية الصرفة، فتلفتوا حيارى إلى منقذ لهم مما هم فيه إلى طريق يكون لهم فيه نور وهدى، فتذكروا أن القرآن العظيم فيه المخلص، وهو المنقذ والموصل إلى ما يبتغون من استقرار، فبه ضمان لحياة نافعة تقوم على أن يؤدى كل واجبه كاملا ويأخذ حقه غير منقوص.
أليس القرآن هو الدستور الذي أنقذ الأمة العربية من جاهلية حمقاء إلى أمة إسلامية لها كيان معترف به ولها عزة وحضارة وعلم.
ولم لا يكون كذلك؟ وقد كفل القرآن أن يسعد الناس في حاضرهم ومستقبلهم ولم يترك شأنا فيه خير لهم إلا قال فيه وفصل القول بما لا يدع شبهة لمبطل أو ادعاء لمتطاول، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وبعد: فهذا هو القرآن الكريم، بل هو الهدى والنور، كتب شرحه بلغة سهلة واضحة لا تعمق فيها ولا إبعاد، خالية من الاصطلاحات العلمية الفنية، تفسر للشعب كل ما فيه من صوغ المعنى الإجمالى للآية، بلغة العصر، مع البعد عن الحشو والتطويل والخرافات الإسرائيلية. والاعتدال في الرأى، فلم يهدم كل قديم، ولم يرفع كل جديد «وإن يكن لكل فارس كبوة» .
ولا طاقة للناس الآن بالإطالة فيما لا شأن له بأصل الغرض من التفسير، إذ المهم أن يفهم القرآن أكبر عدد ممكن من المسلمين.
ألم يأن للحق أن يدحض الباطل كما دحضه في صدر الإسلام؟ وقد يكون ما تراه من الجمعيات الإسلامية والمؤاخاة الدينية جذوة فيها ضوء يسطع ليبصر من أراد أن يسعد عاجلته وآجلته، وفيها نار تحرق هؤلاء الشياطين الذين لم يستحوا من الله ولا من الحق فجعلوا من جاههم ونفوذهم حربا على الإسلام إبقاء على زخرف كاذب وفرارا من حقوق إخوانهم في الدين والإنسانية قبلهم.
وها نحن الآن قد عزمنا- والعون من الله وحده- على الكتابة في التفسير على أن يخرج الجزء الأول ثم الذي يليه وهكذا، فإن كان في العمر بقية ومن الله تأييد تم هذا العمل الذي نقصد به وجه الله.