استبطئوا النبي طلبوه فعلموا أنه قصد المدينة ودخل المسجد، فلما ذكر ما رابه من أمر اليهود، ومن اعتزامهم الغدر به، قرر المسلمون إجلاءهم من المدينة حتى يهدأ الجو، ويصفو، فأرسل النبي لهم محمد بن مسلمة وقال لهم على لسان الرسول:«اخرجوا من بلادي لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي ولقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» ضاقت الدنيا في وجه بنى النضير وتشاوروا في أمرهم وبينا هم كذلك إذ جاءهم رسول عبد الله بن أبى المنافق يشير عليهم بالبقاء والتحصن، ويعرض عليهم ألفين من قومه وغيرهم، فانتهى الأمر فيما بينهم إلى التحصن بالحصون، وظنوا أنها تمنعهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
أما المسلمون فساروا إليهم وحاصروهم عشرين ليلة، وأمر النبي المسلمين أن يقطعوا نخلهم ويحرقوه حتى لا تبقى اليهود متعلقة بأموالها متحمسة لديارها، وجزع اليهود، ونادوا يا محمد: قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من يصنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها!! وفي ذلك نزل قوله: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها الآية.
[المعنى:]
يخبر الحق- تبارك وتعالى- بأن جميع ما في السموات وما في الأرض يسبحه ويقدسه ويصلى له ويوحده، وينقاد له ويسجد تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ «١» وكيف لا يكون ذلك كذلك! وهو العزيز الجناب الحكيم الفعال، ومن مظاهر هذا إجلاء بنى النضير الذي ذكر في قوله تعالى بما معناه: هو الحق سبحانه الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب- وهم بنو النضير- من ديارهم وأموالهم بعد ما نقضوا العهود، وعادوا الرسول والمؤمنين، أخرجهم في وقت الحشر الأول من ديارهم.
سبحانه أخرج بنى النضير من ديارهم رغم كثرة عددهم، ووفرة عددهم، وقرب بنى قريظة وأهل خيبر منهم، وعرض المنافقين مساعدتهم عليهم، لهذا كله ما ظن المسلمون أنهم يخرجون، وقد ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله إذا جاءهم، فما أغنى عنهم من ذلك شيء أبدا، وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، وقد قذف الله في قلوبهم الرعب، وكيف لا ... ! والنبي نصر بالرعب من مسيرة شهر، فكان ما أراد