للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذين ارتدوا على أدبارهم، وكفروا بعد إيمانهم، كل ذلك من بعد ما تبين لهم الهدى، وظهر لهم الحق جليا، إن الذين وصفوا بهذا: الشيطان سول لهم وزين خطاياهم «وأملى لهم، أى: مد لهم في الأمل» ، ووعدهم بطول العمر ومد الأجل، هذا الكلام قيل: إنه في أهل الكتاب، والظاهر أنه في المنافقين، والكلام موصول فيهم لا مقطوع بدليل قوله: ذلك الارتداد والكفر بعد الإيمان بسبب أنهم قالوا: أى المنافقون الذين كرهوا ما أنزل الله، وهم بنو قريظة والنضير من يهود المدينة قالوا لهم:

سنطيعكم في بعض الأمر أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ، وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [سورة الحشر آية ١١] والله يعلم إسرارهم وإخفاءهم.

فكيف حالهم؟ إذا توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم «١» حالة كون الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم، وضرب الوجه والظهر في حالة الحرب مما يتقيه الكريم، فهم تجنبوا ذلك في الدنيا فضربوا عليها في الآخرة، وذلك كله بسبب أنهم اتبعوا ما أسخط الله من الكفر والمعاصي وكرهوا رضوانه وطاعاته، فأحبط أعمالهم، وأبطل كيدهم، بل أحسب الذين في قلوبهم مرض النفاق أن لن يخرج الله أضغانهم، ويظهر حقدهم وحسدهم المدفون؟ لا تظنوا هذا فالله عالم يعلم الغيب والشهادة، وهو العليم بذات الصدور.

ولو يشاء ربك يا محمد أن تراهم وتعرفهم لعرفك إياهم، فلتعرفنهم «٢» بعلامتهم الدالة عليهم، ولتعرفنهم بسبب لحن القول وفحواه.

والمعنى: إنك يا محمد لتعرفن المنافقين فيما يعرضونه عليك من القول ولحنه، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا عرفه بقوله، واستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه، وضعف إيمانه ونفاقه، ولا غرابة فالله يعلم أعمالكم الظاهرة والخافية.


(١) - الفاء فاء التفريع لترتب ما بعدها على ما قبلها، وكيف خبر لمبتدأ محذوف وتقديره حالهم.
(٢) - الفاء هنا فاء تفريع لمعرفته صلّى الله عليه وسلّم على تعريف الله عز وجل واللام بعدها كاللام في لأريناكهم واقعة في جواب لو، واللام في «ولتعرفنهم» جواب قسم محذوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>