ما يلاقيه الإنسان من خير أو شر يوم الجزاء، وما أعد للمؤمنين من النعيم المقيم، ثم ذكر- سبحانه- أنه قد ضل من قبلهم أكثر الأولين، وأنه أرسل إليهم منذرين، ثم أورد قصص بعض الأنبياء- عليهم السلام- بشيء من التفصيل متضمنا كل منها ما يدل على فضلهم وعبوديتهم له- عز وجل- وما أعد لهم.
ثم أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم هنا- في ختام السورة- بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن كل شيء تنكره العقول، وتأباه الطباع وهو القسمة الجائرة الباطلة حيث كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله، وذلك أن قبائل جهينة وخزاعة. وبنى مليح. وبنى سلمة.
وعبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟ «١» كيف يكون ذلك منهم؟ والحال أنه إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم! يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ويقول: والله ما هي بنعم الولد- الولد يطلق على الذكر والأنثى- أيمسكه على هون وذل أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون! فهم يجعلون لله ما يكرهون، وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار، وأنهم قوم مفرطون.
بل أخلقنا الملائكة إناثا؟ وهم حاضرون ذلك؟ وهذا تبكيت وإنكار لهم حيث وصفوا الملائكة وهم قوم أطهار- عباد بالليل والنهار- بأنهم إناث، فهم لا دليل لهم على ذلك إلا الحضور وقد نفى، أما الأدلة العقلية أو النقلية فلا تحتاج إلى بطلان.
ألا إنهم من كذبهم وإفكهم الباطل ليقولون: ولد الله وإنهم لكاذبون في هذه الدعوى إذ ليس لها مصدر إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير دليل أو شبهة.
أصطفى البنات على البنين؟ عجبا لكم كيف تقولون إن البنات أولاد الله، وكيف يصطفى البنات على البنين؟ وما لكم كيف تحكمون بهذا الحكم الذي تشهد ببطلانه بدائه العقول؟!.
أتلاحظون ذلك فلا تتذكرون بطلانه؟ مع أن من له أدنى مسكة من عقل ينكره.
بل ألكم سلطان مبين؟ وهذا إضراب انتقالي من توبيخهم وتبكيتهم بما ذكر إلى
(١) الهمزة هنا للاستفهام الإنكارى وهكذا كل استفهام في هذه الآيات.