فهل ينتظرون بأعمالهم إلا سنة الأولين، وسنة الله فيهم العذاب لتكذيب رسلهم بعد سوق الآيات الناطقة بصدقهم، فكفار مكة لا ينتظرون بعد تكذيبهم النبي إلا العذاب كما نزل بمن سبقهم من الكفار، وتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولا تحويلا.
أقعدوا ولم يسيروا في الأرض فينظروا حين ينتقلون إلى الشام والعراق واليمن كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ممن كذب رسله واتبع نفسه وهواه؟ وقد كانوا أشد منهم قوة، وأكثر أموالا وأولادا، فما أغنت عنهم في شيء، وما كان الله ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، وكيف يعجزه أحد، وهو الخالق البارئ العالم المحيط بكل شيء. وانظر إلى تذييل الآية وختامها بقوله: إنه عليم قدير.
وبعد هذا يبين الله أنه الرحمن الرحيم بخلقه وهو الغفور الستار بعباده، ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا من المعاصي ما ترك على ظهر الأرض من دابة انتقاما وجزاء لما يصنعون، ولكن اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية أن يؤخرهم إلى أجل مسمى عنده هو أعلم به، إكراما للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتشريفا له ولأمته، ولعلهم يتوبون، ويثوبون إلى رشدهم، فإذا جاء أجلهم لا ستأخرون ساعة ولا يستقدمون بل سيفارقون الدنيا، ويحاسبون على أعمالهم إن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا فجزاؤهم شر، ولا غرابة فإن الله كان بعباده خبيرا بصيرا. فبادروا أيها الناس بالتوبة والرجوع إلى الله وأسرعوا فأنتم لا تدرون انتهاء الأجل، فربّ ليلة نبيتها لا نصبح معها، بل ربّ نفس خرج لا يعود، ولا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم، وهو بالعباد خبير بصير.