قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَكَذَلِكَ (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ) : بِالْيَاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ. وَفَاعِلُ الْأَوَّلِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ، وَأَمَّا مَفْعُولَاهُ فَمَحْذُوفَانِ
اكْتِفَاءً بِمَفْعُولَيْ تَحْسَبَنَّهُمْ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ فِيهِمَا وَاحِدٌ، فَالْفِعْلُ الثَّانِي تَكْرِيرٌ لِلْأَوَّلِ، وَحَسُنَ لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَوَّلِ، وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ، فَلَيْسَتْ لِلْعَطْفِ، وَلَا لِلْجَوَابِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِمَفَازَةٍ، هُوَ مَفْعُولُ حَسِبَ الْأَوَّلُ، وَمَفْعُولُهُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، دَلَّ عَلَيْهِ مَفْعُولُ حَسِبَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ أَنْفُسَهُمْ بِمَفَازَةٍ، وَهُمْ فِي «فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ» هُوَ أَنْفُسَهُمْ؛ أَيْ: فَلَا يَحْسَبَنَّ أَنْفُسَهُمْ، وَأَغْنَى بِمَفَازَةٍ الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ الْأَوَّلِ عَنْ ذِكْرِهِ ثَانِيًا لِحَسِبَ الثَّانِي.
وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ مُتَعَسِّفٌ، عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ فِيهِمَا عَلَى الْخِطَابِ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْهُمَا، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَوْلُ فِيهِ أَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَفْعُولِ حَسِبَ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَفَازَةٍ، وَأَغْنَى الْمَفْعُولُ الثَّانِي هُنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِحَسِبَ الثَّانِي، وَحَسِبَ الثَّانِي مُكَرَّرٌ، أَوْ بَدَلٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقِرَاءَةِ بِالْيَاءِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ فِيهِمَا وَاحِدٌ أَيْضًا، وَهُوَ النَّبِيُّ، وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ فِي الْأَوَّلِ، وَبِالتَّاءِ فِي الثَّانِي، ثُمَّ فِي التَّاءِ فِي الْفِعْلِ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِوَاحِدٍ وَالضَّمُّ عَلَى أَنَّهُ لِجَمَاعَةٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَفْعُولَا الْفِعْلِ الْأَوَّلِ مَحْذُوفَيْنِ؛ لِدَلَالَةِ مَفْعُولَيِ الثَّانِي عَلَيْهِمَا، وَالْفَاءُ زَائِدَةً أَيْضًا، وَالْفِعْلُ الثَّانِي لَيْسَ بِبَدَلٍ وَلَا مُكَرَّرٍ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ فَاعِلِ الْأَوَّلِ، وَالْمَفَازَةُ: مَفْعَلَةٌ مِنَ الْفَوْزِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute