بحصون، فصار مصحرًا ممتنعًا حاسرًا مدرعًا، وأصحابنا قد أثرت فيهم المدة الطويلة في استطاعتهم لا في طاعتهم، وفي أجوالهم لا في شجاعتهم فنقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة، ونرجو على يد أمير المؤمنين الإجابة، وقد حرم باباهم -لعنة الله- كل مباح، واستخرج منهم كل مذخور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبسوا الحداد، وحكم أن لا يزالوا كذلك أو يستخلصوا المقبرة، فيا عصبة نبينا ﷺ اخلفه في أمته بما تطمئن به مضاجعه، ووفه الحق فينا، فها نحن عندك ودائعه، ولولا أن في التصريح ما يعود على العدالة بالتجريح لقال الخادم ما يبكي العيون وينكي القلوب، ولكنه صابر محتسب وللنصر مرتقب، رب لا أملك إلَّا نفسي وهاهي في سبيلك مبذوله، وأخي وقد هاجر هجرة نرجوها مقبولة، وولدي وقد بذلت للعدو صفحات وجوههم، ونقف عند هذا الحد ولله الأمر من قبل ومن بعد".
ومن كتاب إلى الديوان: قد بلي الإسلام منهم بقوم استطابوا الموت، وفارقوا الأهل طاعة لقسيسهم، وغيرة لمعبدهم، وتهالكًا على قمامتهم، حتى لسارت ملكة منهم بخمس مائة مقائل التزمت بنفقاتهم، فأخذها المسلمون برجالها بقرب الإسكندرية، فذوات المقانع مقنعات دارعات تحمل الطوارق والقبطاريات، ووجدنا منهم عدة بين القتلى، وبابا رومية حكم بأن من لا يتوجه إلى القدس فهو محرم لا منكح له ولا مطعم، فلهذا يتهافتون على الورود ويتهالكون على يومهم الموعود، وقال لهم: إنني واصل في الربيع جامع على استنفار الجميع، وإذا نهض فلا يقعد عنه أحد، ويقبل معه كل من قال: لله ولد.
ومن كتاب: ومعاذ الله أن يفتح الله علينا البلاد ثم يغلقها، وأن يسلم علي يدينا القدس ثم ننصره، ثم معاذ الله أن نغلب عن النصر أو أن نغلب عن الصبر: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥].
ولست بقرم هازم لنظيره … ولكنه الإسلام للشرك هازم
إلى أن قال: والمشهور الآن أن ملك الألمان خرج في مائتي ألف، وأنه الآن في دون خمسة آلاف.
وخرج جيش الخليفة عليهم نجاح إلى دقوقا؛ لحرب طغرل، فقدم بعد أيام ولد طغرل صبي مميز يطلب العفو عن أبيه.
سنة سبع وثمانين اشتدت مضايقة العدو عكا وأمدادهم متواترة، فوصل ملك الإنكيتر، وقد مر بقبرص، وغدر بصاحبها، وتملكها كلها، ثم سار إلى عكا في خمس وعشرين قطعة، وكان ماكرًا، داهية، شجاعًا، فخارت قوى من بها من المسلمين، وضعفوا بخروج أميرين