قال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جابر، قال: أذن رسول الله ﷺ في الناس بالحج، فاجتمع في المدينة بشر كثير. فخرج رسول الله ﷺ لخمس بقين من ذي القعدة، أو لأربع، فلما كان بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق، فأرسلت إلى رسول الله ﷺ: كيف أصنع؟ فقال:"اغتسلي واستثفري بثوب". وصلى رسول الله ﷺ في المسجد، وركب القصواء حتى استوت به على البيداء، فنظرت إلى مد بصري، بين يدي رسول الله ﷺ، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك. فأهل رسول الله ﷺ بالتوحيد، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله ﷺ تلبيته. ولسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى﴾ [البقرة: ١٢٥]، فجعل المقام بينه وبين البيت.
قال جعفر: فكان أبي يقول: -لا أعلمه ذكره إلا عن رسول الله ﷺ: كان يقرأ في الركعتين ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد﴾ [الأخلاص]، و: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون]، ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، حتى إذا دنا من الصفا قرأ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه﴾ [البقرة: ١٥٨]، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت فكبر وهلل وقال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، فقال مثل ذلك ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فعلا عليها وفعل كما فعل على الصفا. فلما كان آخر الطواف على المروة، قال:"إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة". فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي ﷺ ومن كان معه الهدي.