الدين بالخليفة وغيره حتى أنه نفذ رسولًا إلى صاحب المغرب يعقوب المؤمني يستجيشه، فما نفع، وكل بلاء النصارى ذهاب بيت المقدس منهم.
قال ابن الأثير: لبس القسوس السواد حزنًا على القدس، وأخذهم بترك القدس، وركب بهم البحر يستنفرون الفرنج، وصوروا المسيح وقد ضربه النبي ﷺ وجرحه، فعظم هذا المنظر على النصارى، وحشدوا وجمعوا من الرجال والأموال ما لا يحصى، فحدثني كردي كان يغير مع الفرنج بحصن الأكراد أنهم أخذوه معهم في البحر، قال: فانتهى بنا الطواف إلى رومية، فخرجنا منها وقد ملأنا الشواني الأربعة فضة.
قال ابن الأثير: فخرجوا على الصعب والذلول برًا وبحرًا، ولولا لطف الله بإهلاك ملك الألمان، وإلا لكان يقال: إن الشام ومصر كانتا للمسلمين.
قلت: كانت عساكر العدو فوق المائتي ألف، ولكن هلكوا جوعًا ووباء، وهلكت دوابهم وجافت الأرض بهم، وكانوا قد ساروا فمروا على جهة القسطنطينية ثم على ممالك الروم تقتل وتسبي، والتقاه سلطان الروم فكسره ملك الألمان، وهجم قونية فاستباحها، ثم هادنه ابن قلج رسلان ومروا على بلاد سيس، ووقع فيهم الفناء فمات الملك وقام ابنه.
قلت: قتل من العدو في بعض المصافات الكبيرة التي جرت في حصار عكا في يوم اثنا عشر ألفا وخمس مائة، والتقوا مرة أخرى، فقتل منهم ستة آلاف، وعمروا على عكا برجين من أخشاب عاتية، البرج سبع طبقات فيها مسامير كبار يكون المسمار نصف قنطار، وصفحوا البرج بالحديد، فبقي منظرًا مهولًا، ودفعوا البرج ببكر تحته حتى ألصقوه بسور عكا، وبقي أعلى منها بكثير، فسلط عليه أهل عكا المجانيق حتى خلخلوه، ثم رموه بقدرة نفط، فاشتعل مع أنه كان عليه لبود منقوعة بالخل تمنع عمل النفط، فأوقد، وجعل الملاعين يرمون نفوسهم منه، وكان يومًا مشهودًا، ثم عملوا كبشًا عظيمًا، رأسه قناطير مقنطرة من حديد؛ ليدفعوه على السور فيخرقه، فلما دحرجوه وقارب السور، ساخ في الرمل لعظمه، وهد الكلاب بدنة وبرجًا فسد المسلمون ذلك وأحكموه في ليلة، وكان السلطان يكون أول راكب وآخر نازل في هذين العامين، ومرض، وأشرف على التلف، ثم عوفي.
قال العماد: حزر ما قتل من العدو، فكان أكثر من مائة ألف.
ومن إنشاء الفاضل إلى الديوان وهم على عكا: يمدهم البحر بمراكب أكثر من أمواجه، ويخرج لنا أمر من أجاجه، وقد زر هذا العدو عليه من الخنادق دروعًا، واستجن من الجنونات