وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ فِي أَدَاءِ النُّسُكِ. (كَنَحْوِ مَرِيضٍ) مِنْ فَاقِدِ نَفَقَةٍ، وَضَالِّ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِمَا إنْ (شَرَطَهُ) أَيْ: التَّحَلُّلَ بِالْعُذْرِ فِي إحْرَامِهِ أَيْ: أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ مَثَلًا فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: لَهَا أَرَدْت الْحَجَّ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» وَقِيسَ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ، وَلَوْ قَالَ: إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحَلُّلٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعُذْرِ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا، أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلُّلٌ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي.
وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ لِمَنْ ذُكِرَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ عَمَلُ عُمْرَةٍ (بِذَبْحٍ) لِمَا يُجْزِئُ أُضْحِيَّةً (حَيْثُ عُذِرَ) بِإِحْصَارٍ، أَوْ نَحْوِ مَرَضٍ (فَحَلَقَ) لِمَا مَرَّ مَعَ آيَةِ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦]
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلَّ جِدًّا وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا لَوْ وَجَدَ الزَّادَ مَثَلًا يُبَاعُ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ بِهَا حَيْثُ يَجِبُ شِرَاؤُهُ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ هُنَا مُجَرَّدُ ظُلْمٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَشْتَرِيهِ، وَهُوَ جَائِزٌ ع ش (قَوْلُهُ: بِسَبَبِهِ) أَيْ: نَحْوُ الْمَرَضِ (قَوْلُهُ: ضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بِنْتِ الزَّبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ، وَكَسْرِ الْبَاءِ كَأَمِيرٍ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَفِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى عَدَّ جَوَازَ نَظَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْخَلْوَةَ بِهَا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَخْلُو بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ.
(قَوْلُهُ: مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً) أَيْ: مُتَوَقِّعَةً لِحُصُولِ وَجَعٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَجِد. حَجّ (قَوْلُهُ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي) أَيْ: انْوِي الْحَجَّ، وَاشْتَرِطِي التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ إذَا حَصَلَ. ق ل (قَوْلُهُ وَقَوْلِي اللَّهُمَّ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِاشْتَرِطِي، وَمَحَلُّ كَوْنِ قَوْلِهَا هَذَا شَرْطًا إذَا نَوَتْ بِهِ الِاشْتِرَاطَ، وَقَوْلُهُ: مَحَلِّيٌّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَيْ: مَحَلُّ تَحَلُّلِي، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَقَوْلُهُ: حَبَسَتْنِي بِفَتْحِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَسُكُونِ التَّاءِ أَيْ: الْعِلَّةُ هَذَا هُوَ الرِّوَايَةُ، وَيَجُوزُ إسْكَانُ السِّينِ، وَفَتْحُ التَّاءِ أَيْ: حَبَسْتَنِي يَا اللَّهُ. وَهَلْ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِذَلِكَ حَلَالًا، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ؟ أَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ الشَّرْطَ صَارَ حَلَالًا. ح ل (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إذَا مَرِضْت) أَيْ: مَثَلًا وَهَذَا مُحْتَرَزُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ شَرْطُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ عَمَّا بَعْدَهُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ حَجَرٍ فَإِنَّ مَا بَعْدَهُ مُحْتَرَزُ نَفْسِ الِاشْتِرَاطِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ الضَّمِيرِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَخَرَجَ بِشَرْطِهِ أَيْ: التَّحَلُّلِ شَرْطُ صَيْرُورَتِهِ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعُذْرِ) ؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ وَهُوَ الْمَرَضُ، وَنَحْوُهُ بَاقٍ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ) أَيْ: فَإِنَّهُ يُفِيدُ زَوَالَ الْعُذْرِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مِنْ مَكَّةَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ دُخُولِهَا إذَا تَحَلَّلَ فَكَأَنَّ إحْصَارَهُ زَالَ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْهُ عَمَلُ عُمْرَةٍ) فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مُنِعَ مِنْ الْوُقُوفِ فَقَطْ دُونَ مَكَّةَ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ. حَجّ (قَوْلُهُ: بِذَبْحٍ) وَيُفَرَّقُ الْمَذْبُوحُ عَلَى مَسَاكِينِ مَحَلِّ الْحَصْرِ فَإِنْ فُقِدَتْ الْمَسَاكِينُ مِنْهُ فَرَّقَهُ عَلَى مَسَاكِينِ أَقْرَبِ مَحَلٍّ إلَيْهِ. حَجّ قَالَ: سم عَلَيْهِ وَخَالَفَ م ر فَمَنَعَ نَقْلَهُ إلَى أَقْرَبِ مَحَلٍّ وَأَوْجَبَ حِفْظَهُ إلَى أَنْ يُوجَدُوا، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ خِيفَ تَلَفُهُ قَبْلَ وُجُودِهِمْ بِيعَ، وَحُفِظَ ثَمَنُهُ بَلْ لَوْ فُقِدُوا قَبْلَ الذَّبْحِ امْتَنَعَ الذَّبْحُ إلَى أَنْ يُوجَدُوا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُمْ إذَا فُقِدُوا قَبْلَ الذَّبْحِ، أَوْ بَعْدَهُ تَحَلَّلَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ التَّحَلُّلُ عَلَى وُجُودِهِمْ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إنَّ التَّحَلُّلَ مَعَ وُجُودِهِمْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّرْفِ إلَيْهِمْ بَلْ يَكْفِي فِيهِ الذَّبْحُ فَإِذَا فُقِدُوا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَا إشْكَالَ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْمَصْرِفِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ فَقْدَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ الذَّبْحِ، أَوْ بَعْدَهُ لَا يُسَوِّغُ الِانْتِقَالَ إلَى بَدَلِ الْهَدْيِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ. اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ عُذِرَ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ. وَأَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ قَدْ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ. اهـ شَرْحُ م ر وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ بِالْأَوْلَى فَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَامِ، أَوْ مِنْ الْحَرَمِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فِيهِ جَازَ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: اثْنَانِ يُمْتَنَعُ فِيهِمَا النَّقْلُ، وَاثْنَانِ يَجُوزُ بَلْ الِانْتِقَالُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ أَفْضَلُ كَمَا يُؤْخَذُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: أَيْضًا حَيْثُ عُذِرَ) أَيْ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي عُذِرَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَحَلُّلٍ، وَذَبْحٍ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ فَأَعْمَلَ الثَّانِيَ، وَأَضْمَرَ فِي الْأَوَّلِ، وَالتَّقْدِيرُ تَحَلَّلَ فِيهِ، وَحُذِفَ لِكَوْنِهِ فَضْلَةً.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ مَرَضٍ) ضَابِطُهُ أَنْ يَشُقَّ مَعَهُ مُصَابَرَةُ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يُبِحْ التَّيَمُّمَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَضَبَطَهُ حَجّ بِمَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ: م ر وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُهُ بِمَا يَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً فِي إتْمَامِ النُّسُكِ.
وَقَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَيْ: فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] إلَخْ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلذَّبْحِ. وَقَوْلُهُ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦] إلَخْ دَلِيلٌ لِلْحَجِّ بِالنَّظَرِ لِمَفْهُومِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا إذَا بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَاحْلِقُوا، وَالْمُرَادُ بِمَحِلِّهِ الْمَكَانُ الَّذِي يُذْبَحُ فِيهِ وَهُوَ