للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَأَوْرَعُ) أَيْ أَكْثَرُ وَرَعًا وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ بِالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ (فَأَقْدَمُ هِجْرَةً) إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِلْخَبَرِ الْآتِي وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ هَاجَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَهَذَا مَعَ تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ عَلَى الْأَوْرَعِ، وَالْأَوْرَعِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي.

وَهُوَ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ (فَأَسَنُّ) فِي الْإِسْلَامِ لَا بِكِبَرِ السِّنِّ (فَأَنْسَبُ) وَهُوَ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ ذِي هِجْرَةٍ أَوْ أَقْدَمُهَا أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ وَالثَّانِي فِي آبَائِهِ وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى وَرَوَى الشَّيْخَانِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» وَفِي رِوَايَةٍ «سِلْمًا وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فِي بَيْتِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَإِ عَلَى الْأَفْقَهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ السَّبْعِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. ق ل.

(قَوْلُهُ: فَأَوْرَعُ) قَالُوا وَأَعْلَى الْوَرَعِ الزُّهْدُ وَهُوَ تَرْكُ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَلَالِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الزُّهْدَ مُغَايِرًا لِلْوَرَعِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ فَيُقَدَّمُ مِنْهَا الْأَعْلَى فَصَحَّ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ حَيْثُ قَالَ أَيْ أَكْثَرُ وَرَعًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ بِالْعِفَّةِ) أَيْ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِزِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ: وَحُسْنِ السِّيرَةِ أَيْ الذِّكْرِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الصَّلَاحِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى

، وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا وَأَمَّا الزُّهْدُ فَتَرْكُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ أَيْ مِنْ الْحَلَالِ فَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ إذْ هُوَ تَرْكُ الْحَلَالِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَاجَةِ، وَالْوَرَعُ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ يُفِيدُ أَنَّ الزُّهْدَ قَسِيمٌ لِلْوَرَعِ لَا قِسْمٌ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ.

، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَرَعَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ أَيْ وَرَعٌ مَعَ زُهْدٍ وَوَرَعٌ بِلَا زُهْدٍ اهـ. ح ل مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَأَقْدَمُ هِجْرَةً) اعْتَبَرُوا الْهِجْرَةَ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا الصُّحْبَةَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُقَدِّمَةِ وَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ هَاجَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ هَاجَرَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ (قَوْلُهُ: إلَى النَّبِيِّ) أَيْ فِي زَمَنِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَكَلَامُهُ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ الْمُهَاجِرُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. ق ل (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ) أَيْ بِقَوْلِهِ فَأَقْدَمُ هِجْرَةً وَقَوْلُهُ: إنَّ مَنْ هَاجَرَ مُقَدَّمٌ إلَخْ أَيْ وَقَدْ طُلِبَتْ مِنْهُ الْهِجْرَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يُقَدَّمُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِهَا وَلَا مَنْ هَاجَرَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِهَا ح ل (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ) أَيْ كَأَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ فَاجْتَمَعَ مَعَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَكَأَنْ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَادَ إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَاجْتَمَعَ بِمُسْلِمٍ هُنَاكَ وَلَمْ يُهَاجِرْ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَكَذَا مِنْ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ الْهِجْرَةُ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ أَيْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ التَّقْدِيمُ بِالْهِجْرَةِ وَبِأَقْدَمِهَا فَإِنَّ الْمِنْهَاجَ لَمْ يَذْكُرْ التَّقْدِيمَ بِالْهِجْرَةِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَقْدِيمَ الْأَوْرَعِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: فَأَسَنُّ فِي الْإِسْلَامِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ كَمَا فِي ح ل وَيُقَدَّمُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَنَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: لَا بِكِبَرِ السِّنِّ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِسْلَامِ رُوعِيَ كِبَرُ السِّنِّ كَمَا عُلِمَ ح ل (قَوْلُهُ: مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ) أَيْ كَذِي الْحِرْفَةِ الرَّفِيعَةِ فَيُقَدَّمُ وَلَدُهُ عَلَى وَلَدِ ذِي الْحِرْفَةِ الْوَضِيعَةِ لَا سَائِرِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ وَإِلَّا لَاقْتَضَى تَقْدِيمَ وَلَدِ السَّلِيمِ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ عَلَى وَلَدِ غَيْرِ السَّلِيمِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْتِزَامِهِ بُعْدٌ اهـ. ق ل.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْأَسَنُّ أَيْ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَسَنُّ عَلَى الْأَنْسَبِ لِأَنَّ إلَخْ فَهَذَا التَّعْلِيلُ لِتَقَدُّمِ الْأَسَنِّ عَلَى الْأَنْسَبِ عَلَى خِلَافَ عَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ اتِّصَالِ كُلِّ عِلَّةٍ بِمَعْلُولِهَا وَانْظُرْ مَا الْحِكْمَةُ فِي ارْتِكَابِهِ خِلَافَهَا وَقَوْلُهُ: وَرَوَى الشَّيْخَانِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ فَهُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ لِهَذِهِ الدَّعْوَى وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَرَوَى مُسْلِمٌ إلَخْ فَهُوَ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: لِيَؤُمَّكُمْ) يَجُوزُ فِي الْمِيمِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ أَوْلَى لِلْإِتْبَاعِ وَقِيلَ الْفَتْحُ أَوْلَى لِلْخِفَّةِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: سَوَاءٌ خَبَرُ كَانَ، وَالضَّمِيرُ اسْمُهَا وَأُفْرِدَ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: ١١٣] ، وَالتَّقْدِيرُ مُسْتَوِينَ فَوَقَعَ الْمَصْدَرُ مَوْقِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا أَيْ إسْلَامًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: ٢٠٨] (قَوْلُهُ: فِي سُلْطَانِهِ) أَيْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَكْرِمَتِهِ) هِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: الْفِرَاشُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبْسَطُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَيَخْتَصُّ بِهِ كَذَا فِي تَعْلِيقِ السُّيُوطِيّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقِيلَ مَا اتَّخَذَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفِرَاشِ وَقِيلَ: الطَّعَامُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُمَا اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَإِ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>