الْإِجْمَاعُ فَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ بِأَنْ يُقَالَ فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي الْبَيِّنَةِ فَيُلَاعِنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ، وَسَبَبُ الْآيَةِ كَانَ الزَّوْجُ فِيهِ فَاقِدًا لِلْبَيِّنَةِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَخْرُجَ الْقَيْدُ عَلَى سَبَبٍ فَيُلَاعِنُ مُطْلَقًا (لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنْ عُقُوبَةٍ) لِقَذْفٍ (وَبَانَتْ) مِنْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ (وَلِدَفْعِهَا) أَيْ الْعُقُوبَةَ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (بِطَلَبٍ) لَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّانِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
(وَإِنْ بَانَتْ وَلَا وَلَدَ) لِحَاجَتِهِ إلَى إظْهَارِ الصِّدْقِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهَا (إلَّا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ) لِكَذِبٍ مَعْلُومٍ كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ أَوْ لِصِدْقٍ ظَاهِرٍ كَقَذْفِ كَبِيرَةٍ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ لِعَانٍ مِنْهُ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ فَلَا يُلَاعِنُ فِيهِمَا لِدَفْعِهِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فَيُعَزَّرُ لَا لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ قَطْعًا فَلَمْ يُلْحِقْ بِهَا عَارًا بَلْ مَنْعًا لَهُ مِنْ الْإِيذَاءِ أَوْ الْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فِيهِ لِلسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَالتَّعْزِيرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يُقَالُ فِيهِ تَعْزِيرُ تَكْذِيبٍ بِأَنْ كَانَ لِكَذِبٍ ظَاهِرٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَسَوَاءٌ أَكَانَ وَلَدٌ أَمْ لَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلصُّوَرِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ كَلَامِهِ فَقَوْلُهُ: فِيمَا إذَا لَمْ يُصِرَّ يَشْمَلُ أَرْبَعَ صُوَرٍ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَمْ لَا هُنَاكَ وَلَدٌ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ: فِيمَا إذَا قَذَفَهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ وَأَصَرَّ يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ أَيْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ أَمْ لَا (وَقَوْلُهُ: فِيمَا إذَا قَذَفَهَا فِي الرِّدَّةِ) صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّامِنَةُ اسْتَثْنَاهَا بِقَوْلِهِ لَا إنْ أَصَرَّ إلَخْ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ.
. (قَوْلُهُ: فَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ) أَيْ: فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهَا لِتَلْتَئِمَ مَعَ الْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَالَ إلَخْ) اُنْظُرْ وَجْهَ هَذَا التَّأْوِيلِ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْبَيِّنَةِ أَصْلًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي الْبَيِّنَةِ أَيْ: لِعَدَمِهَا أَوْ لِوُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ فِيهَا، وَتَوَقَّفَ سم فِي هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِأَنْ يُقَالَ إلَخْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْمَعْنَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يَرْغَبُونَ فِي إقَامَتِهِمْ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يُقَالَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يَرْغَبُونَ فِي إقَامَتِهِمْ فَلَا يَأْتِي بِالْفَاءِ وَلَا بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلَا يُفْرِدُ الضَّمِيرَ، وَكَأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ سَرَى لَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي إقَامَةِ الرَّجُلَيْنِ إمَّا لِفَقْدِهِمَا أَوْ لِوُجُودِهِمَا مَعَ عَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي إقَامَتِهِمَا فَالْمَعْنَى هُنَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يَرْغَبُونَ فِيهِمْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُمْ شُهَدَاءُ لَا يَرْغَبُونَ فِيهِمْ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا إلَخْ) وَإِلَّا فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الرَّجُلَيْنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ) أَيْ: وَلَنَا أَنْ نَجْرِيَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ أَيْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسَهُمْ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ هَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ زي. (قَوْلُهُ فَيُلَاعِنُ مُطْلَقًا) قَدَرَ عَلَى الْبَيِّنَةِ أَوْ لَا ع ش، وَهُوَ وَاقِعٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إذَا عَلِمْت أَنَّهُ يُلَاعِنَ وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ الْبَيِّنَةِ فَيُلَاعِنُ مُطْلَقًا إلَخْ. (قَوْلُهُ وَلِدَفْعِهَا) أَيْ: الْعُقُوبَةِ وَلَوْ تَعْزِيرًا لِيَتَأَتَّى قَوْلُهُ: إلَّا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ فَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَعْزِيرُ غَيْرِ التَّأْدِيبِ وَهُوَ تَعْزِيرُ التَّكْذِيبِ فَيُلَاعِنُ فِيهِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ ح ل.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْعُقُوبَةِ) مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً ع ش وَقَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ أَيْ: الْعُقُوبَةَ شَوْبَرِيُّ أَيْ: مِنْ مَفْهُومِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الزَّانِي إلَّا إنْ قُرِئَ تُطْلَبُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ: الْعُقُوبَةَ.
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَتْ) أَيْ: بَعْدَ قَذْفِهَا فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: الْآتِي وَلَوْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ قَذَفَهَا فَإِنَّهُ هُنَاكَ لَا يُلَاعِنُ لِدَفْعِ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَهُنَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ إلَّا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ) أَيْ: تَعْزِيرًا سَبَبُهُ التَّأْدِيبُ أَيْ: إرَادَتُهُ، مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلِدَفْعِهَا أَيْ: مِنْ ضَمِيرِهِ. (قَوْلُهُ: لِكَذِبٍ مَعْلُومٍ) اللَّامُ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ وَفِي لِصِدْقٍ ظَاهِرٍ بِمَعْنَى عِنْدَ لَا لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الصِّدْقُ عِلَّةً لِلتَّعْزِيرِ بَلْ لِنَفْيِ الْحَدِّ فَإِنْ جُعِلَ قَوْلُهُ: لِكَذِبٍ عِلَّةً لِنَفْيِ الْحَدِّ الْآتِي صَحَّ كَوْنُهَا لِلتَّعْلِيلِ فِيهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: كَقَذْفِ طِفْلَةٍ) وَكَذَا رَتْقَاءُ وَقَرْنَاءُ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالدُّبُرِ وَيُسْتَفْصَلُ لَوْ أَطْلَقَ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ وَالصِّدْقِ الظَّاهِرِ.
(قَوْلُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ: غَيْرِ تَعْزِيرِ التَّأْدِيبِ. (قَوْلُهُ: تَعْزِيرَ تَكْذِيبٍ) أَيْ: يَكُونُ لِإِظْهَارِ كَذِبِهِ فَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ مَا فِي التَّعْزِيرِ مِنْ إظْهَارِ كَذِبِ الْقَاذِفِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَمَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا س ل وسم وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: تَعْزِيرُ تَكْذِيبٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ كَذِبِهِ بِقِيَامِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ عَلَى نَمَطِ مَا قَبْلَهُ أَيْ تَعْزِيرٌ سَبَبُهُ التَّكْذِيبُ مِنَّا لَهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِالْعَكْسِ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: تَعْزِيرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ إظْهَارُ التَّكْذِيبِ فَالتَّكْذِيبُ سَبَبٌ وَإِظْهَارُهُ مُسَبَّبٌ وَضَابِطُ تَعْزِيرِ التَّكْذِيبِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلَمْ يَثْبُتْ زِنَاهُ.
(قَوْلُهُ لِكَذِبٍ ظَاهِرٍ) أَيْ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا قَذَفَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا تَأَمَّلْ لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ كَذِبًا فِي الظَّاهِرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute