فالتقوى أوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا هو الثواب والأجر.
والذكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة.
وعمال الآخرة على قسمين: منهم من يعمل على الأجر والثواب، ومنهم من يعمل على المنزلة والدرجة، فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى ويسابق إلى القرب منه.
وقد ذكر الله تعالى النوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى:{إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم} فهؤلاء أصحاب الأجور والثواب، ثم قال:{والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب ثم قال: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} فقيل هذا عطف على الخبر من {الذين آمنوا بالله ورسله} أخبر عنهم بأنهم هم الصديقون وأنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم، ثم أخبر عنهم أن لهم أجراً وهو قوله تعالى {لهم أجرهم ونورهم} فيكون قد أخبر عنهم بأربعة أمور: أنهم صديقون، وشهداء.
فهذه هي المرتبة والمنزلة.
قيل: تم الكلام عند قوله تعالى: {الصديقون} ثم ذكر بعد ذلك حال الشهداء فقال: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} فيكون قد ذكر المتصدقين أهل البر والإحسان ثم المؤمنين الذين قد رسخ الإيمان في قلوبهم وامتلأوا منه، فهم الصديقون وهم أهل العلم والعمل، والأولون أهل البر والإحسان، ولكن هؤلاء أكمل صديقية منهم: ثم ذكر الشهداء وأنه تعالى يجري عليهم رزقهم ونورهم لأنهم لما بذلوا أنفسهم لله تعالى أثابهم الله تعالى عليها أن جعلهم أحياء عنده يرزقون فيجري عليهم رزقهم ونورهم فهؤلاء السعداء.
ثم ذكر الاشقياء فقال:{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} والمقصود أنه سبحانه وتعالى ذكر أصحاب الأجور والمراتب، وهذان الأمران هما اللذان وعدهما فرعون السحرة إن غلبوا موسى عليه الصلاة والسلام فقالوا:{إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين} أي أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني.