للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعيش فيها حيوان ولا يتكون البته، فكذلك أمة فقد فيها نور الوحي والإيمان ميتة وقلب فقد منه هذا النور ميت ولا بد، لا حياة له البتة، كما لا حياة للحيوان في مكان لا نور فيه.

والله سبحانه وتعالى يقرن بين الحياة والنور كما في قوله عز وجل {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} وكذلك قوله عز وجل {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا} وقد قيل إن الضمير في (جعلناه) عائد إلى الأمر، وقيل إلى الكتاب، وقيل إلى الإيمان، والصواب أنه عائد إلى الروح أي جعلنا ذلك الروح الذي أوحيناه إليك نوراً، فسماه روحاً لما يحصل به من الحياة، وجعله نوراً لما يحصل به الاشراق والاضاءة، وهما متلازمان فحيث وجدت هذه الحياة بهذا الروح وجدت الاضاءة والاستنارة، وحيث وجدت الاستنارة والاضاءة وجدت الحياة، فمن لم يقبل هذا الروح فهو ميت مظلم كما أن المائي، والناري.

لما يحصل بالماء من الحياة وبالنار من الاشراق والنور، كما ضرب ذلك في أول سورة البقرة في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} وقال: {ذهب الله بنورهم} ولم يقل بنارهم لأن النار فيها الاحراق.

وكذلك حال المنافقين: ذهب نور إيمانهم بالنفاق، وبقي في قلوبهم حرارة الكفر والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم، قلوبهم قد صليت بحرها وأذاها وسمومها ووهجها في الدنيا فأصلاها الله تعالى إياها يوم القيامة ناراً موقدة تطلع على الأفئدة.

فهذا مثل من لم يصحبه نور الإيمان في الدنيا بل خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به.

وهو حال المنافق عرف ثم أنكر، وأقر ثم جحد، فهو في ظلمات أصم أبكم أعمى كما قال تعالى في حق إخوانهم من الكفار {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات}

<<  <   >  >>