وأورد عليه {لا تدركه الأبصار} فقال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى.
قال: أفتدركها؟ قال: لا.
قال: فالله تعالى أعظم وأجل.
وقد ضرب سبحانه وتعالى النور في قلب عبده مثلاً لا يعقله إلا العالمون فقال سبحانه وتعالى:{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم} قال أبي بن كعب: مثل نوره في قلب المسلم.
وهذا هو النور الذي أودعه في قلبه من معرفته ومحبته والايمان به وذكره، وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس، وأصله في قلوبهم ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم، بل ثيابهم ودورهم، يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق له منكر.
فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بإيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه، وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا، فمنهم من نوره كالشمس وآخر كالقمر وآخر كالنجوم وآخر كالسراج وآخر يعطي نوراً على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ أخرى إذا كانت هذه حال نوره في الدنيا فأعطى على الجسر بمقدار ذلك، بل هو نفس نوره ظهر له عياناً، ولما لم يكن للمنافق نور ثابت في الدنيا بل كان نوره ظاهراً لا باطناً أعطى نوراً ظاهراً مآله إلى الظلمة والذهاب.
وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر، وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه وهي مثل القلب، وشبه بالزجاجة لأنها جمعت أوصافاً هي في قلب المؤمن وهي الصفاء والرقة، فيرى الحق والهدى بصفائه، وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته، ويجاهد أعداء الله تعالى ويغلظ عليهم ويشتد في الحق ويصلب فيه بصلابته، ولا تبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها، بل تساعدها وتعاضدها، {أشداء على الكفار رحماء بينهم}