يظنُ الظنَّ ثم يقيس عليه، وينسى أن بدء أمره ظنًّا، فإذا أتقن ذلك وأيقن جزم عليه وحكاه عن صاحبه حكاية المستبصر في صحة معناه، ولكنه كان لا يقول سمعت ولا رأيت" اهـ. وهذه صفة رؤوس الفرق جميعًا في كل ملةٍ وفي كل علم.
قدمنا هذه الكلمة بين يدي هذا الكتاب، لأن مؤلفه من علماء الإمامية، وهم فرقة من أهل الإسلام افترقت فيما بعد إلى فرق كثيرة وأصل عقيدتها إمامة عليّ - رضي الله عنه - وبقاؤها في عقبه، وللكلام على الإمامية وتفصيل مذهبها ذيول طويلة ليس هذا موضع ذكرها والذي يهمنا أن هذه الفرقة كان لها في الإسلام شأن عظيم وألّف في الردّ على مذاهب أهلها من الكتب شيء كثير. وقد قرأنا عنها مذاهب عجيبة لا يقرها عقل. ولم يصل إلى أيدينا من كتبهم إلَّا ما قرأناه من النصوص المنقولة عن كتبهم في الرد عليهم فسرّنى كثيرًا أن أرى بين يدىَّ تفسيرًا لعالم من علماء هذه الفرقة، وإن أجد هذا التفسير قد قرّب مسافة الخلف بين ما قرأتهُ عن الإمامية وبين عقيدتى وعقيدة أكثر المسلمين. وهنا لا نجد بدًّا من الإشارة إلى أن أهل الفرق والمذاهب لا يزالون في غفلةٍ عن الحياة. فهم يتقسمون أمرهم بينهم والعدوّ من ورائهم وأمامهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم يعد العدَّة ويتوثب للفريسة الغافلة ولا مخرج للعرب بعد اليوم إلّا أن يرجعوا إلى حكم الله إذ يقول {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. ولابدَّ أيضًا من أن يرجعوا إلى كتابهم وسنة رسولهم مخلصين لا يؤولون ولا يحرفون الكلم من بعد مواضعه وأن يتركوا وراءهم ظهريًّا أقوال رؤوس الفرق وأئمتها فإنهم أصل البلاءِ ومادة الشر، ولا حياة لأمة على الأمر الذي لا يحوى الخلاف فيه إلَّا الفرقة والخصومة والشنآن (١) والعداوة المتوارثة ونسأل الله أن يجعل آخر أمر المسلمين والناس جميعًا كأوله ألفةً وارتباطا وصفاءً وعملًا خالصًا لله لا للشهوات والأهواء.