ولك أن تسأل أي أحداث تلك التي حركت نواعس الآمال في الشرق العربي الإسلامي بين سنة ١٩٤٨ (وفي السنة التي كتب فيها الأستاذ شاكر آخر مقال سياسي في مجلة الرسالة بعنوان "لِمَن أكتب" وبين سنة ١٩٥٢ التي قامت فيها الثورة المصرية؟ أهي جلاء بريطانيا عن مصر والسودان؟ أهي تبنيِّ الأمم المتحدة لقضية مصر والسودان؟ أم هي احتلال فلسطين والهزيمة المنكرة للجيوش العربية، أم هي المجازر التي ارتكبها الصهاينة ضد عرب فلسطين العُزَّل؟ أم هي جلاء فرنسا عن الجزائر؟ أي هذه الأحداث حرك نواعس الآمال فهبت الشعوب تمسح عن عيونها النوم المتقادم؟ واقرأ المقالات الست التي أشرتُ إليها في الهامش السابق، والمنشورة في "اللواء الجديد" سنة ١٩٥١ فكلها تتحدث عن النوازل التي داهمت الشرق الإسلامي من جراء الاحتلال وفساد الساسة الذين صنعهم الاستعمار ليقودوا بلادنا. ولا يُفْلِت القارئ مغزى كلمة "وصرخت وأنا في محبسي"، فالأستاذ شاكر لا يلقى الكلام على عواهنه، فكل كلمة يكتبها هي في حاقِّ موضعها عما استقر في ضمير نفسه، فهو يعرف حق الكلام، ويلتزم مقاطعه ومطالعه وحدوده، وما يوجبه اللفظ من المعاني وما يتناوله من دقيق الاستنباط، فهي صرخة سجين "طعين أفنى الليالي انتظارًا" كما يقول في رائيته. وإذا كنتَ في شك مما أقول فاقرأ هذه الفقرة من نفس المقال: "ثم وَجَدْتُنِي فجأة في موج متلاطم من الضلالات، تتقاذفه ضلالات العلم المكذوب، وضلالات الرأي المدلس، وضلالات السياسة الخداعة، وإذا الأرض من حولي تعجُّ بترتيل مظلم مخبول، وإذا السماء تهتف بتسبيح كالح مزور، وإذا صوتي يضيع في سمعي، فهو إِذَنْ في أسماع الناس أَضْيَعُ، وتردَّد في صدري شِعر الحَكَميُّ، فاستمعتُ له وسكتُّ:
مُتْ بداء الصمت خَيْرٌ ... لكَ عن داء الكلامِ
إنما السَّالِمُ من أَلْـ ... ـجَمَ فاهُ بِلِجامِ
والأستاذ شاكر لم يسكت أبدًا من قبلُ، فقد هاجم دون وَجَل شرذام الساسة الذين لوَّثُوا تاريخ الحياة الإسلامية والعربية، وأصحاب السلطان الذين وصفهم