وصديقًا وَفِيًّا وتلميذًا مَدِينًا لك بالفضل يَنْقُل عِلْمك للناس حتَّى لا تَضِلَّ العربية مَكْنونَ عِلْمك، ولا فاضلَ أَدبك، ولا أسرارَ أسأليبك، وحتى يصبح ما خَلَّفْتَ أدبًا يُصْطَفَى، وعِلْمًا يُتَوارَث، وخُلُقًا يُحْتَذَى، وهَدْيًا لأجيال خَشِيتَ أنت عليها وعورةَ المسالك ومَتالفَ الطريق.
وعسى أن أكون قد أدَّيتُ الأمانة -التي اخترتُ أن أحملها بظُلْمي وجهلي- وافية كاملة لم ينقص منها شيء إلا ما أَهْمَلْتُ لعجزي وتقصيري، أو لم أقع عليه لسهْوِي وغفلتي، وتَشتُّتي بين البلاد وغُربتي. ولإخواني من أهل العلم والفضل سابق شكري إذا تكرموا عليَّ ودلّوني على ما عجزت عن الإهتداء إليه.
وأدعو الله أن ييسر لهذه المقالات علماء شتى، كُلًّا في مجال تخصصه، خاصة في مجال الفكر السياسي، والدراسات الاجتماعية. وأُهِيب بالمتخصصين في اللغويات linguistice وعلماء اللغة بالنظر في مقالاته الثلاث عن "علم معاني أصوات الحروف" وآرائه الأخرى المبثوثة في ثنايا المقالات، كما في مقال "الطريق إلى الحق"، "المُنْطَلِق"، "وبِشْر أيضًا" وغيرها، ثم بعد ذلك وفوق ذلك ما بثه في "نَمَطٌ صَعْب ونَمْطٌ مخيف". كما أحثُّ نُقَّاد الأدب على إنعام النظر في مقالاته الخمس بعنوان "من مذكرات عمر بن أبي ربيعة"، فهي وإن اعتمدت أشخاصها وبعض أحداثها على حقائق تاريخية، فهي أَدَبٌ مُنْشِئ Creative literature. كما أدعوهم إلى تدبُّر مقالاته الثلاث عن "شاعر الحب والفلوات: ذو الرمة"، فهي نمط فريد من الدراسة، ليس تاريخًا لحياة الشاعر، وليس تحليلًا لشعره، وإنما هي تَدسُّسٌ في مشاعره وأحساسيه وآماله وهواجسه، حتَّى لكأنك مع الشاعر مع مأساة حُبِّه يومًا بيوم. كما أدعوهم أيضًا إلى التوقَّف أمام مقالاته الثلاث "إلى أين؟ "، فهي تجمع بين السيرة الذاتية، وفن "المقال" في أرفع مناحيه. ثم فَلْيَحُطُّوا الرِّحال لوَقْفَة طويلة أمام مقالاته الثلاث "المتنبي: ليتني ما عرفتُه" وتحليله الرائع الدقيق لعملية "الإبانة والاستبانة".
وأنا أدعو النقاد الذين أخذوا بحظٍّ وافرٍ من الثقافة الغربية -وهم كُثْر، والحمد لله- للنظر في كل ذلك حسب أصول النظر الغربي، لكي يستبين أن