يهذّبها بحسب ذنوبها، كما دلّ على ذلك السمع والعقل، وذلك يوجب الانتهاء لا الدوام.
قالوا: والله تعالى لم يخلق الإنسان عبثًا، وإنما خلقه ليرحمه لا ليعذبه، وإنما اكتسب موجِب العذاب بعد خلقه له، فرحمته له سبقت غضبه، وموجِب الرحمة فيه سابق على موجِب الغضب وغالب له، وتعذيبه ليس هو الغاية بخلقه، وإنما تعذيبه بحكمة ورحمة، والحكمة والرحمة تأبى أن يتصل عذابه سرمدًا إلى غير نهاية.
أما الرحمة فظاهر، وأما الحكمة فلأنه إنما عُذِّب على أمر طرأ على الفطرة وغَيَّرها، ولم يُخلَق عليه من أصل الخِلْقة، ولا خُلِق له، فهو لم يُخْلَق للإشراك ولا للعذاب، وإنما خُلِق للعبادة والرحمة، ولكن طرأ عليه موجِب العذاب فاستحق عليه العذاب، وذلك الموجِب لا دوام له، فإنه باطل، بخلاف الحق الذي هو موجِب الرحمة، فإنه دائم بدوام الحق سبحانه وهو الغاية، وليس موجِب العذاب غاية، كما أن العذاب ليس بغاية، بخلاف الرحمة فإنها غاية، وموجِبها غاية، فتأمله حق التأمل، فإنه سرّ المسألة.
قالوا: والرب تعالى تسمّى بالغفور الرحيم، ولم يتسمّ بالمعذِّب ولا بالمعاقِب، بل جعل العذاب والعقاب في أفعاله، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِيَ أَنِّيَ أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: ٤٩ - ٥٠]، وقال تعالى:{إِنَّ سَرِيعُ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ}[الأنعام: ١٦٥]، وقال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهْوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: ١٢ - ١٤]، وقال: {(١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي} [غافر: ١ - ٣]، وهذا كثير في القرآن.