للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد شيء، حتى يبقى رجل هو آخرهم خروجًا منها.

وكذلك عذاب الكفار فيها متفاوت تفاوتًا عظيمًا، فالمنافقون في دركها الأسفل، وأبو طالب أخفّ أهلها عذابًا في ضَحْضاح من نار (١)، يغلي منه دماغه، وآل فرعون في أشد العذاب.

قالوا: فإذا كان العذاب في الدار التي فيها رحمة واحدة من مائة رحمة، هو رحمة بأهله ومصلحة لهم ولطف بهم؛ فكيف في الدار التي تظهر فيها مائة رحمة، كل رحمة منها طِبَاق ما بين السماء والأرض؟!

وقد قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: ٢١]، فأخبر أنه يعذبهم رحمةً بهم ليردّهم العذاب إليه، كما يعذِّب الأبُ الشفيقُ الرحيمُ ولدَه إذا فرّ منه إلى عدوه؛ ليرجع إلى بِرّه وكرامته.

وقال الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: ١٤٧]، وأنت تجد تحت هذه الكلمات أنّ تعذيبه لكم لا يزيد في ملكه ولا ينتفع به، ولا هو سُدى خالٍ من حكمة ومصلحة، وأنكم إذا بدّلتم الشكر والإيمان بالكفر كان عذابكم منكم، وكان كفركم هو الذي عُذِّبتم به، وإلا فأي شيء يلحقه سبحانه من عذابكم، وأي نفع يصل إليه منكم (٢)؟

قالوا: وحينئذ فالحكمة تقتضي أن النفوس الشريرة لا بدّ لها من عذاب


(١) الضَّحْضاح في الأصل: ما رقّ من الماء على وجه الأرض مما يبلغ الكعبين، «النهاية في غريب الحديث» (٣/ ٧٥).
(٢) «د»: «منه».