للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، قالت: وأنا جاريةٌ حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني والله، لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس، حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، ولئن قلت لكم: إني بريئةٌ - والله يعلم أني لبريئةٌ- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفتُ لكم بأمر - والله يعلم أني بريئةٌ - لتصدقني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (١) ثم تحولتُ، فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مُبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظنُّ أن الله يُنزلُ في شأني وحياً يُتلى، ولشأني في نفسي كأن أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمرٍ يُتلى، ومن الرواة من قال: ولأنا أحقرُ في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عيه وسلم في النوم رؤيا يُبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسهُ، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدرُ منه مثلُ الجمان من العرق في يومٍ شاتٍ من ثقل القول الذي أُنزل علي قالت: فسُريَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحكُ، وكان أوَّل كلمةٍ تكلم بها، أن قال لي: يا عائشة، احمدي الله - ومن الرواة من قال: أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك - فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات (٢)، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق وكان يُنفق على مسطح بن أثاثة - لقرابته منه وفقره - والله لا أنفقُ على


= (قلص) قلص الدمع: انقطع جريانه.
(١) يوسف: ١٨.
(ما رام) أي ما برح من مكانه، يُقال: رام يريمُ: إذا برح وزال، وقلما يُستعملُ إلا في النفي.
(البرحاء): الشدة.
(الجُمان) جمع جُمانة: وهي الدُّرة، وقيل: هي خرزةٌ تعمل من الفضة مثل الدرة.
(سُري عنه) أي كشف عنه.
(ولا يأتل) يأتل: يفعتلُ من الأليَّة: وهي القسم، يقال: آلى وائتلى وتألَّى.
(٢) النور: ١١ - ١٩. ... =

<<  <  ج: ص:  >  >>