للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٣٠٢١ - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا هارون بن معروف (١)، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبو اليسر (٢)، ومضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله، وهو يصلي في ثوب

⦗٣٧١⦘

واحد مشتملا به، قال فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القوم، فقلت: يرحمك الله أتصلي في ثوب واحد وهذا رداؤك إلى جنبك؟ فقال بيده في صدره هكذا، وفرق بين أصابعه وقوسها أردت أن يدخل علي الأحمق (٣) مثلك، فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله، أتانا رسول الله في مسجدنا هذا، وفى يده عرجون (٤) ابن طاب (٥)، فرأى فى قبلة المسجد نخاعة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال: "أيكم يحب أن يعرض الله ﷿ عنه؟ " قلنا: لا أينا (٦) يا رسول الله، قال: "فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله ﷿ قبل وجهه (٧)، فلا يبصقن

⦗٣٧٢⦘

قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادِرَةٌ (٨)، فليقل هكذا بثوبه بعضه على بعض أروني عنبرًا (٩) "، فقام فتى من الأنصار يشتد (١٠) إلى أهله، فجاء بخلوق (١١) في راحته، فأخذه رسول الله فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة، قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.

قال جابر: سرنا مع رسول الله في غزوة بطن بواط، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، وكان الناضح يعتقبه الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه

⦗٣٧٣⦘

فركبه، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن، فقال: شَأْ لعنك الله، فقال النبي : "من هذا اللاعن بعيره؟ " قال: أنا يا رسول الله، قال: "انزل عنه، فلا يصحبنا ملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءً، فيعطي فيستجيب لكم".

ثم سرنا مع رسول الله حتى إذا كان عُشَيْشِيَّة، ودنونا من مياه العرب، قال رسول الله : "من رجل يتقدمنا فيمدر لنا الحوض، فيشرب ويسقينا؟ "، قال: فقمت، فقلت: هذا رجل يا رسول الله، فقال رسول الله : "أي رجل مع جابر"، فقام جبار بن صخر، فانطلقنا إلى البئر، فنزعنا في الحوض سجلا أو سجلين، ثم مدرناه، ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه، فكان أول طالع طلع علينا رسول الله ، فقال: "أتأذنان؟ " فقلنا: نعم، فأشرع ناقته فشربت، ثم شنق لها فشجت، وبالت، قال: ثم عدل بها فأناخها، ثم جاء رسول الله إلى الحوض فتوضأ منه، ثم قمت فتوضأت من متوضأ رسول الله ، قال: فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته، وقام رسول الله يصلي، وكانت علىّ بردة، ذهبت أن أخالف بين طرفيها فلم تبلغ، أو كانت لها ذباذب فنكستها، ثم خالفت بين طرفيها، ثم تواقصته عليها، فجئت حتى قمت عن يسار رسول الله ، فأخذ بيدي

⦗٣٧٤⦘

حتى أقامني عن يمينه. وذكر الحديث (١٢).

أخرجه مسلم عن هارون بن معروف بتمامه (١٣).


(١) المروزي، أبو علي الخزاز الضرير -وهو شيخ مسلم في هذا الحديث-، وهو موضع الالتقاء.
(٢) بفتح الياء المثناء تحت: واسمه كعب بن عمرو، شهد العقبة وبدرًا، وهو ابن عشرين=

⦗٣٧١⦘
= سنة -وهو آخر من توفي من أهل بدر توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨١).
(٣) المراد بالأحمق هنا: الجاهل، وحقيقة الأحمق: من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٤).
(٤) الغصن. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨٥/ ١٨).
(٥) نوع من التمر. انظر: (المصدر السابق).
(٦) أي لا يحب ذلك أحد منا. انظر: (تكملة فتح الملهم ٦/ ٤٠٤).
(٧) استدل هذه الجملة على إثبات القرب لله تعالى، وهي صفة ثابتة لله ﷿ بالإجماع. [نقله ابن تيمية (الفتاوى ٦/ ١٣، ٧) ابن القيم (مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ٤٦٠)].
وهذا القرب الذي وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله ، لا ينافي علو الله تعالى، بل هو قريب في علوه، عالٍ في قربه. ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
وجاء حديث أنس (في صحيح البخاري الصلاة: رقم ٤٠٥): "إذا قام أحدكم=

⦗٣٧٢⦘
= يصلي فإنما يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة" قال الإمام ابن رجب : "يدل على قرب الله من المصلي في حال صلاته وقد تكاثرت النصوص بذلك، قال تعالى ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي "اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"" -ثم ساق النصوص في تقرير هذا المعنى- (فتح الباري لابن رجب ٣/ ١٠٩ - ١١٨) وانظر أيضًا: شرح صحيح البخاري للشيخ ابن عثيمين (٢/ ٢٨٥).
(٨) أي غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه. انظر: (تكملة فتح الملهم ٦/ ٤٠٤).
(٩) كذا في الأصل، والعنبر نوع من الطيب. انظر: (النهاية ٣/ ٣٠٦، مختار الصحاح ص ٤٥٦)، وجاء في صحيح مسلم "عبيرًا" بفتح العين كسر الموحدة: هو الزعفران وحده، وقيل أخلاط من الطيب، تجمع بالزعفران. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٦).
(١٠) أي يسعى ويعدو عدوًا شديدًا. انظر: (المصدر السابق).
(١١) بفتح الخاء وهو طيب من أنواع نحتلفة يجمع بالزعفران -وهو العبير على القول الآخر-. انظر: (المصدر السابق).
(١٢) الحديث بتمامه تقدم برقم (١٣٠٢٠).
(١٣) أخرجه مسلم في صحيحه (الزهد: باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر ٤/ ٢٣٠١ رقم ٧٤) قال حدثنا هارون بن معروف، ومحمد بن عباد -وتقاربا في لفظ الحديث، والسياق لهارون -قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل به.
فائدة الاستخراج: المتابعة التامة لرواية مسلم لهذا الحديث.