للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٣٠٢٠ - حدثنا أبو أمية، والحارث بن أسامة قالا: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا حاتم بن إسماعيل (١)، حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: حدثنا جابر بن عبد الله، قال: سرنا مع رسول الله في غزوة بطن بواط (٢)، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، فكان الناضح (٣) منا يعتقبه (٤)

⦗٣٦٤⦘

الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه فتلدن (٥) عليه بعض التلدن، فقال: شأ (٦) لعنك الله، فقال رسول الله : "من هذا اللاعن بعيره؟ " قال: أنا، يا رسول الله قال: "انزل عنه، لا تصحبنا بملعون، ولا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، ولا تدعوا على خدمكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم" قال جابر: فسرنا حتى إذاكانت عشيشية (٧) وفى دنونا من ماء من مياه العرب، قال رسول الله : "من رجل يتقدمنا فيمدر (٨) لنا الحوض، ويشرب ويسقيناه؟ "، قال جابر: فقلت: هذا رجل يا رسول الله، فقال رسول الله : "من رجل مع جابر"، فقام إليه جبار بن صخر، قال: فأتينا الحوض، فنزعنا منه سجلا (٩) أو سجلين، ثم مدرناه، فانزعناه (١٠) حتى أفهقناه (١١)، -يعني

⦗٣٦٥⦘

فاض -فكان أول طالع طلع علينا رسول الله ، فقال: "أتأذنان؟ " قلنا: نعم، يا رسول الله فأشرع فيه ناقته فشربت، ثم شنق (١٢) لها فشجت (١٣) وبالت، ثم عدل بها فأناخها، ثم جاء إلى الحو فتوضأ منه، فقمت إلى متوضئه، فتوضأت منه، وذهب جبار بن صخر يقضى حاجته، وقام رسول الله يصلي، وكان علي بردة، فذهبت لأخالفها بين طرفيها فلم تبلغ، أو كانت لها ذباذب (١٤) فنكستها (١٥)، فخالفت بين طرفيها، وتواقصت (١٦) عليها، ثم جئت حتى قمت على يسار رسول الله ، فأخذني بيده فأدارني (١٧) حتى أقامني على يمينه، وجاء جبار بن صخر، فقام على يساره، فدفعنا بيده جميعا حتى جعلنا من ورائه، وجعل رسول الله يرمقني (١٨) ولا أشعر، ففطنت له فأشار إلى -يعني أن شدها على حقويك- فلما فرغ، قال: "يا جابر" قلت: لبيك،

⦗٣٦٦⦘

يا رسول الله قال: "إذا كان بك سعة فخالف بين طرفيها، وإذا كان بك ضيقا فشد على حقويك (١٩) ".

قال جابر: فسرنا معه، وكان قوت كل رجل منا تمرة، يأخذها فيلوكها، ثم يصرها في ثوبه، فأقسم لو أخطئها رجل يوما (٢٠)، فانطلقنا ننعشه (٢١)، فشهدنا أنَّه لم يعطها، فأعطيها فقام فأخذها، قال: وجعلنا نختبط (٢٢) بعصينا ونأكل حتى قرحت أشداقنا (٢٣)، وشكى الناس إلى رسول الله الجوع، فقال: "عسى الله أن يطعمكم".

فسرنا مع رسول الله حتى نزلنا واديا أفيح (٢٤)، فانطلق رسول الله ليقضي حاجته، وأتبعته بإداوة من ماء، فلم ير في الوادي شيئًا يستتر به فإذا في شاطئ الوادي (٢٥) شجرتان، فانطلق إلى إحديهما فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "إنقادي علي بإذن الله"

⦗٣٦٧⦘

فانقادت معه كالبعيو المخشوش (٢٦) الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله"، فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف (٢٧) مما بينهما، الأم (٢٨) بينهما، قال: "التئما التئما علي بإذن الله"، قال: فالتأمتا عليه، قال جابر: وخرجت أحضر (٢٩) مخافة أن يحس رسول الله بقربي منه، فانبعثت، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا رسول الله مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة، وقال برأسه هكذا -يعني أصغى يمينا وشمالا- ثم أقبل فقال: "يا جابر" قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "هل رأيت مقامي؟ " قلت: نعم، قال: "فانطلق إلى الشجرتين، فاقطع من كل واحدة منهما غصنًا، فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامى، فأرسل غصنًا عن يمينك، وغصنا عن يسارك" قال جابر: فقمت فأخذت حجرًا، فكسرته وحسرته، فاندلق لي، ثم أتيت الشجرتين، فقطعت من

⦗٣٦٨⦘

كل واحدة منهما غصنا، فأقبلت أجرهما، فلما قمت مقامه أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقته، فقال: "أو فعلت"، فقلت: قد فعلت يا رسول الله، فمم ذلك؟ قال: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه (٣٠) عنهما ما دام الغصنين رطبين". قال جابر: فقال رسول الله : "يا جابر، ناد بالوضوء"، فناديت ألا وضوء، ألا وضوء -ثلاثا- فما وجدت في الركب من قطرة، فقلت: يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار له أشجاب (٣١) يتبرَّد فيها لرسول الله الماء، على حمارة (٣٢) من جريد -يعني: سبايك (٣٣) - قال: "انظر: هل في أشجابه من شيء؟ "، فذهبت فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء -يعنى فم الراوية- شجب منها، فلو أني أفرغه لشربه يابسه، فأتيت رسول الله فأخبرته فقال: "اذهب فأتني به"، فأتيت به، فجعل

⦗٣٦٩⦘

يغمزه، ويقول: شيئًا لم أفهمه، فقال رسول الله : "يا جابر ناد بالجفنة"، فناديت، فقلت: يا جفنة الركب (٣٤)، فأتيت بها تحمل، فوضعتها بين يدي رسول الله ، فقال: "يا جابر، هاك وصب علي، وقل بسم الله"، وقال هكذا وفرق بين إبهاميه وبين السبابتين، وفرج أصابعه، ووضع يده في الجفنة، فصببت عليه، وقلت: بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله ، وفارت الجفنة، ودارت فامتلأت، قال: "يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء"، فجاء الناس بأسقيتهم فاستقوا وارتووا فلم يبق أحد له حاجة بماء، فرفع رسول الله الجفنة وهي ملأن (٣٥)، وشكى الناس إليه الجوع؟ فقال: "عسى الله أن يطعمكم"، فأتينا سيف البحر (٣٦)، فسرنا مع رسول الله حتى أتينا سيف البحر -يعني الشط-، فزخر (٣٧) البحر زخرة، فألقى دابة يقال لها العنبر، فأرينا (٣٨) على شقها النار، فاشتوينا

⦗٣٧٠⦘

وأطبخنا، وأكلنا وشبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة، في حجاج عينها (٣٩) ما يرانا أحد، حتى خرجنا، ثم أخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأطول رجل في الرحل، فدخل تحته ما يُطأطئ رأسه (٤٠).


(١) المديني أبو إسماعيل الحارثي مولاهم، وهو موضع الالتقاء.
(٢) بواط -بالضم- وهو جبل من جبال جهينة بناحية رضوى (ينبع)، (انظر: شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٦، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة ص ٥٤).
(٣) الناضح: هو البعير الذي يستقى عليه. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٦).
(٤) العقية -بضم العين- كوب هذا نوبه وهذا نوبه. انظر: (المصدر السابق).
(٥) أي تككأ وتوقف. انظر: (المصدر السابق).
(٦) هي كلمة زجر للبعير. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٧).
(٧) هكذا على التصغير مخففة الياء الأخيرة، ساكنة الأولى، وكان أصلها عشية، فأبدلوا من إحدى الياءين شيئا. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٧).
(٨) أي يطينه ويصلحه. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٨).
(٩) بفتح السين وإسكان الجيم: الدلو المملؤة. انظر: (المصدر السابق).
(١٠) أي أخذناه وجبذناه. انظر: (المصدر السابق).
(١١) أي ملأناه. انظر: (المصدر السابق).
(١٢) أي كفها بزمامها، قال ابن دريد: هو أن تجذب زمامها حتى تقارب رأسها قادمة الرحل. (انظر: شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ٨٨ ١، تكملة فتح الملهم ٧/ ٤٠٦).
(١٣) شج البعير: إذا فرج بين رجليه للبول. انظر: (المصدرين السابقين).
(١٤) أي أهداب وأطراف. انظر: (المصدرين السابقين).
(١٥) أي قلبتها. انظر: (تكملة فتح الملهم ٦/ ٤٠٧).
(١٦) أي أمسكت الرداء بعنقي لئلا يسقط الرداء. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٨٩، تكملة فتح الملهم ٦/ ٤٠٧).
(١٧) كذا في صحيح مسلم وهو الصواب، وجاء في الأصل "فاداراني".
(١٨) أي ينظر إلى نظرًا متتابعًا. انظر: (المصدرين السابقين).
(١٩) الحقو: هو معقد الإزار. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٠) معنى أقسم: أي أحلف، وأخطئها: أي فاتته. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢١) أي نرفعه ونقيمه من شدة الضعيف. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٢) أي: نضرب الشجر ليتحات ورقه فنأكله. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٣) أي: تجرحت من خشونة الورق وحرارته. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٤) أي واسعًا. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٥) أي جانبه. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٦) بالخاء والشين المعجمتين: وهو الذي يجعل في أنفه خِشَاش (بكسر الخاء) وهو عود يجعل في أنف البعير إذاكان صعبًا، ويشد فيه حبل ليذل ويقاد، وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئًا. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٧) بفتح الميم والصاد: وهو نصف المسافة. انظر: (المصدرين السابقين).
(٢٨) أي جمع بينهما. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ٤٠٨).
(٢٩) أي أعدو وأسعى سعيًا شديدًا. انظر: (المصدرين السابق).
(٣٠) أي يخفف. انظر: (المصدر السابق).
(٣١) جمع شجب -بإسكان الجيم- وهو السقاء الذي أخلق وبلي وصار شنًا يابسًا. انظر: (شرح صحيح مسلم ١٨/ ١٩٤، وتكملة فتح الملهم ٦/ ٥١٠).
(٣٢) -بكسر الحاء وتخفيف الميم والراء- وهي أعواد تعلق عليها أسقية الماء. انظر: (شرح صحيح مسلم ١٨/ ١٩٤).
(٣٣) كذا في الأصل ولم يتبين لي فيها شيء ولم تأت في رواية الحديث في صحيح مسلم، وكذلك لم تأت في صحيح ابن حبان (١٤/ ٤٥٧، رقم ٦٥٢٤)، وفي القاموس (صـ ١٢١٦): سبكه أي أذاعه وأفرغه.
(٣٤) أي: يا صاحب جفنة الركب، فحذف المضاف للعلم بأنه المراد. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (١٨/ ١٩٤).
(٣٥) جاء في مسلم وصحيح ابن حبان (ملأى).
(٣٦) سيف: بكسر السين وإسكان المثناة تحت -وسيف البحر: أي ساحله. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (١٨/ ١٩٥). وجاء تفسيره من الراوي -يعني الشط-.
(٣٧) أي علا موجه. انظر: (المصدر السابق).
(٣٨) أي أوقدنا. انظر: (المصدر السابق).
(٣٩) هو عظمها المستدير بها. انظر: (شرح صحيح مسلم للنووي ١٨/ ١٩٦).
(٤٠) أخرجه مسلم في صحيحه (الزهد: باب حديث جابر الطويل ٤/ ٢٣٠١ رقم ٧٤)، من طريق هارون بن معروف، ومحمد بن عباد كلاهما، عن حاتم به.
فائدة الاستخراج:
- تفسير "عزلاء" في لفظ الحديث. وكذلك: سيف البحر.
- جاءت الروايات في صحيح مسلم "فحالت" باللام بمعنى الحال، وجاءت عند المصنف "حانت" من الحين وهو الوقت، قال النووي: وهما بمعنى واحد. انظر: (شرح صحيح مسلم ١٨/ ١٩٢).