قَامَ وبطنُهُ مَعصُوبٌ بحَجَرٍ، ولَبثْنا ثَلاثَةَ أيَّامٍ لا نَذوقُ ذَواقاً، فأخَذَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المِعْوَلَ فضَربَ فعَادَ كَثِيْباً أهْيَلَ، فانْكَفأْتُ إلى امرأَتِي فَقُلتُ: هَلْ عِندَكِ شَيءٌ؟ فإنِّي رَأيتُ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصاً شَدِيْداً، فأخْرجَتْ جِراباً فيهِ صَاعٌ مِنْ شَعيرٍ، ولَنَا بُهَيْمةٌ داجِنٌ فذبَحْتُها، وطَحنْتُ الشَّعيرَ، حتَّى جَعَلْنا اللَّحْمَ في البُرْمَةِ، ثُمَّ جِئتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسَارَرْتُهُ فقلْتُ: يا رَسُولَ الله! ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعيرٍ، فتَعَالَ أَنْتَ ونَفَرٌ معَكَ، فَصَاحَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ! إنَّ جَابراً صَنَع سُوْراً، فَحَيَّ هَلا بكُمْ"، فقالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، ولا تَخْبزُنَّ عَجينَكُمْ حتَّى أَجِيءَ"، وجاءَ فأخرَجَتْ لهُ عَجيْناً فبَصَقَ فيهِ وبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إلى بُرْمَتِنا فبَصَقَ وباركَ، ثُمَّ قالَ: "ادْعِي خابزةً فلتَخْبزْ معَكِ، واقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ ولا تُنزِلُوها"، وهُمْ ألفٌ، فأُقسِمُ بالله لأَكَلوا حتَّى تَركُوه وانحَرَفوا، وإنَّ بُرْمَتَنا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وإنَّ عَجينَنا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ.
"وقال جابر: إنَّا يوم الخندق نحفرُ، فعرضت"؛ أي: ظهرت.
"كُديةٌ": وهي - بضم الكاف وسكون الدال المهملة -: الأرض الصلبة الغليظة التي لا يعملُ فيها الفأس.
"شديدة، فجاءوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: هذه كُديةٌ عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل"؛ أي: في الخندق.
"ثم قام، وبطنُهُ معصوبٌ"؛ أي: مشدود من الجوع.
"بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذَواقاً" بالفتح: ما يُذاقُ من المأكول والمشروب.
"فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المِعوَلَ": وهو - بكسر الميم وسكون العين المهملة -: الفأس العظيم التي ينقر بها الصخر.
"فضربَ، فعادَ كثيباً"؛ أي: تلاً من الرمل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute