"حتَّى تكونوا أنتم تجدعونها"؛ أي: حتَّى يكون جادعها أنتم لا غيركم، ولولا تعرضكم لها بالجدع لبقيت سليمة كما ولدت، شبه النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولادته على الفطرة السليمة بولادة البهيمة السليمة عن العيوب، غير أن المراد فيها سلامتها عن العيوب الظاهرة، وهنا سلامتها عن العيوب المعنوية.
"ثم يقول": بمعنى قال؛ أي: قرأ رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -:
{فِطْرَتَ اللَّهِ}: منصوب على الإغراء؛ أي: الزموا فطرة الله وداوموا عليها ولا تغيروها.
{الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ}؛ أي: خلقهم {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم: ٣٠]": هذا نفي بمعنى النَّهي؛ أي: لا تبدلوا ولا تغيروا ما خلق الله فيكم من قبول الإسلام.
* * *
٧٠ - وعن أبي مُوسَى الأَشعَري - رضي الله عنه - قال: قامَ فينا رسولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - بخمسِ كلِماتٍ، فقال: "إنَّ الله تعالى لا يَنامُ، ولا ينبغي له أَنْ يَنامَ، يخفِضُ القِسْطَ ويرفعُهُ، يُرْفَعُ إليه عملُ الليلِ قبلَ عملِ النهارِ، وعملُ النهارِ قبلَ عملِ الليلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ما انتهى إليهِ بصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ".
"وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أنه قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - "؛ أي: خطبنا وذكَّرنا.
"بخمس كلمات": جمع كلمة، والمراد بها الكلام المفيد المستقل.
"فقال: إن الله لا ينام": لأنَّ النوم استراحة القوى والحواس، تعالى الله عن ذلك، كما قال الله تعالى:{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[البقرة: ٢٥٥].
"ولا ينبغي له أن ينام"؛ أي: يستحيل عليه ذلك؛ لأنَّه المتصرف في ملكه أبدًا بميزان العدل، والأولى تدل على عدم صدور النوم عنه، والثانية على نفي