هو مذهب أهل السنة، وإشارة إلى أن الثواب والعقاب ليسا لأجل الأعمال، بل الموجب لهما اللطف الربانيِّ أو الخذلان السابق المقدَّر لهم أزلاً.
* * *
٦٤ - وقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحدٍ إلَّا وقد كُتِبَ مَقْعدُهُ مِنَ النَّارِ ومَقْعدُهُ منَ الجنَّةِ"، قالوا: يا رسولَ الله! أفلا نتَّكِلُ على كتابنا وندع العملَ؟ فقال:"اعملوا، فكل مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له، أَمَّا مَن كان من أهلِ السعادة فسَيُيسَّر لعمَل السَّعادة، وأمَّا مَن كان من أهل الشَّقاوة فسيُيسَّر لعملِ الشَّقاوةِ"، ثمَّ قرأَ:" {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦)} الآية"، رواه عليّ بن أبي طالب.
"وعن عليّ - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: ما منكم من أحد إلَّا وقد كتب" الواو للحال والاستثناء مفرغ؛ أي: ما وجد أحد منكم في حال من الأحوال إلَّا وقد قدر له "مقعده من النار ومقعده من الجنة" الواو فيه بمعنى (أو) لمَا جاء في بعض الروايات: بـ (أو) مصرحاً، لكن حديث أنس في إثبات عذاب القبر يدل على أن لكل مؤمن مقعدين: أحدهما في الجنة، والآخر في النار.
"قالوا: يا رسول الله! أفلا نتكل" الفاء جواب شرط مقدر؛ أي إذا كان الأمر كذلك أفلا نعتمد "على كتابنا" المقدَّرِ لنا في الأزل "وندع العمل؟ "؛ أي: نتركه، إذ لا فائدة في إتعاب أنفسنا بالأعمال؛ لأنَّ قضاء الله لا يغيَّر، فلم يرخص عليه الصَّلاة والسلام في ذلك، بل أعلمهم أن ها هنا أمرين لا يُبطل أحدهما الآخر: باطن هو حكم الربوبية، وظاهر هو سمة العبودية، وهو غير مفيد حقيقة العلم، فأمر عليه الصَّلاة والسلام بكليهما ليتعلق الخوف بالباطن المغيب، والرجاء بالظاهر البادي؛ ليستكمل العبد بذلك صفة الإيمان.
"قال: اعملوا فكل": الفاء للسببية، والتنوين عوض عن المضاف إليه؛ أي: كلُّ خلق "ميسر"؛ أي: موفق ومهيَّأ "لما خلق له"؛ أي: قدَّر له ذلك من