للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الجامع المرَتَّب لقراءة إمام الفريضة فيه كلَّ يوم عندَ فَراغِه من صلاة الصُّبح، وهو مصحفُ أمير المؤمنينَ عثمانَ بن عفّان رضي اللهُ عنه، خَطَّه بيَمينِه، وله عندَ الأندَلُس شأنٌ عظيمٌ، واحتفاءٌ شديد، أمَرَ الخليفةُ من أجْلِ ذلك باحتمالِه إلى دارِ صاحب الصّلاة الثِّقةِ المأمونِ محمدِ بن يحيى بن عبد العزيز المدعُوِّ بابن الخَرّاز وإخزانِه لدَيْه، احتراسًا به وتحفُّظًا بمكانِه، إلى أن ينقضيَ أمرُ القِبلةِ (١) الجديدة وتتحصَّنَ بمقصورتها المُحْدَثة الموثَّقة فيعادَ المصحفُ إلى مكانِ إحرازِه بها، ففُعلَ ذلك بالمصحف، واحتَمَلَه مَشْيخةُ السَّدَنة إلى دار ابن الخَرّاز، وذلك يومَ الأحد لثمانٍ خَلَوْنَ من جُمادى الآخِرة من سنة أربع وخمسينَ وثلاث مئة. انتهى الفصلُ منقولًا من خطِّ الراوِية أبي القاسم ابن بَشْكُوال كما ذُكِر، وبخطِّه في الحاشيةِ اليُمنى محُاذيًا بأوّله آخِرَ هذا الفصل ما نَصّه: أُخرِجَ هذا المصحفُ عن قُرْطُبة وغُرّب عنها ليلةَ السبت الحاديةَ عشْرةَ من شوّالٍ سنةَ اثنتينِ وخمسينَ وخمس مئة وحُمِلَ صَبِيحةَ يوم السبت وجُوِّزَ إلى العُدْوة، أخَذ اللهُ مَن سَعَى في تغريبِه وخروجِه عن الحضرة أخْذَ آسِف ولا أمهَلَه بالذي لا إله إلا هو وعَجَّل بصَرْفِه إلى مكانِه بقُدرته لا يُعجِزُه شيءٌ جَلَّ جَلالُه وعَظُمَ سُلطانُه. انتهَى نصُّ هذه المُعلَّقة في الحاشية المنَبَّه عليها كما ذُكِر. ورحِم الله أبا القاسم ابنَ بَشْكُوال ونفَعَه بمقصده، فإنّما استأثَرَ بعِلق نَفِيس، واستكثَرَ من خيرِ جليس، وأفضل أنيس، وتأثَّر لانتقالِ موقوفٍ على محلِّه الأحقِّ به حبيس، فلذلك أتْبَعَ خبرَه عنه نفْثةَ مصدورٍ عن قلبٍ قَريح، ولَهْفَ موتور ذي فؤادٍ بمؤلِم هذا المُلِمّ جريح، ولو كوشفَ رحمه اللهُ بحالِ قُرْطُبةَ من بلاد الأندَلُس وسواها، وانتهاكِ عبَدةِ الصّليبِ مَحُوطَ حِماها، واستيلائهم على ما اشتَملَتْ عليه من كثيرٍ من المصاحفِ غيرَ ذلك المصحفِ الكريم، وابتذالِهم ما عُنيَ أكابرُ العلماءِ بصيانتِه من ذخائرِ دواوينِ العلم على العهد القديم؛ لَسُرَّ بإخراجِه عن قُرْطُبة واحتمالِه، وأعان بالتحضيض نُصحًا له على انتقالِه، إنقاذًا له من أيدي المشركين،


(١) في الأصل: "الغلبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>