للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت به من غلّةِ الشّوقِ علّةٌ ... فساقَ له اللهُ الطبيبَ المداويا

وقصّتُه في ذي المَجاز وعمِّه ... به ظمَأٌ قد صيَّرَ الصّبرَ فانيا

فأهوى ولا ماءٌ إلى الأرض راكضًا ... ففجَّر ينبوعًا من الماءِ جاريا

وكم بان من يُسرٍ لميسرةٍ به ... يَرُدُّ أخا سُكرِ الغواية صاحيا

فكان إذا اشتدَّ الهَجِيرُ أظَلَّهُ ... غَمامٌ عليه لا يزالُ مُماشِيا

وأخبَرَه نِسطُورُ بُصرى ببَعْثِهِ ... فأظهَرَ من غيبِ الرسالةِ خافيا

وبُغِّضت الأصنامُ للمصطفى فلم ... يزَلْ هاجرًا فعلَ الضّلالةِ قاليا

وكان يَرى ضَوْءًا يَلُوحُ لوجهِهِ ... ويسمَعُ تسليمًا عليه محُاذِيا

ويأتي حِراءً للتحنُّثِ قاصدًا ... محبًّا لأسبابِ الوِصالِ مُراعيا

وَيخرُجُ من بينِ البيوتِ لعلّهُ ... يحدِّثُ عنه النفْسَ في السرِّ خاليا

وكان رآه اللهُ أكرمَ خَلْقِهِ ... فأرسلَهُ بالحقِّ للخَلْقِ هاديا

وأسرى به ليلًا إلى حضرةِ العُلا ... فما زال فيها للحبيبِ مُناجيا

وسار على ظهرِ البُراقِ كرامةً ... له راكبًا إذ سار جِبريلُ ماشِيا

ولمّا أتا الوحيُ وارتاع قلبُهُ ... لشدّةِ ما قد كان منهُ مُلاقيا

فسارَتْ به عَمْدًا خديجةُ زوجُهُ ... لتسألَ حَبْرًا بالزِّمانةِ فانيا

وكان امرءًا قد مارَسَ الكُتْبَ قارئًا ... وبات لضِيفانِ المعارفِ قاريا

فبَشَّرَه أنْ سوف يطلُعُ صُبحُهُ ... فيكشِفُ من ليل الغوايةِ داجيا

وقال له: يا ليتَني كنتُ حاضرًا ... بها جَذِعًا أُوليكَ نفْسي وماليا

ووقتُك إنْ يُدرِكْ زمانيَ يومُهُ ... ومَن لي به أنصُرْك نَصْرًا مُواليا

وآيتُهُ في الغارِ إذ نَزلا بهِ ... وكان له الصِّدِّيقُ بالصِّدقِ ثانيا

<<  <  ج: ص:  >  >>