للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجدُه يقفُ على نُسَخ خزائنيّةٍ مُلوكيّة من مثل ما جاء في ترجمة ابن خَروف النَّحوي، قال: "ورَفَع إلى الناصر من بني عبد المؤمن نُسخةً من "شَرْح كتاب سيبوَيْه" بخطّه في أربع مجلّدات، فأثابه عليها بأربعةِ آلاف درهم من دراهمهم، وقد رأيتُ هذه النُّسخة، وأخرى بخطِّه أيضًا، وذَكَرَ لي بعضُ الرّحّالين أنه رأى بمدرسة الفاضل البَيْسانيّ من القاهرة نُسخةً بخطّ المصنَّف في مجلّد واحد" (١).

ولم يَذكُر أين وقَفَ على النُّسخة الناصِريّة المذكورة، ويُمكنُ أن يكونَ وقوفُه عليها في خزانة الموحّدينَ العظمى بمَرّاكُش، أو لعلّه عثَرَ عليها بعدَ أن انقَرَضت دولتُهم وتوزَّعت الأيدي ذخائرَ تلك الخِزانة الكبرى التي كان لها شأنٌ وأيُّ شأن، وإذا كان ابنُ عبد الملك يقفُ على هذا العدد من الشَّرح المذكور فما بالُك بعدد النُّسخ التي وقَفَ عليها من "الكتاب" نفسِه وهو يخبرُنا خلالَ التراجم بوقوفه على شروح أندَلُسيّة ومَغْربيّةٍ أخرى للكتاب؟

ومن أطرف المخطوطات التي وقَفَ عليها وأنفَسِها: تلك التي كان جَلَبَها من المشرق الأميرُ المُرابِطيُّ مَيْمونُ بن ياسين، ومنها نُسخةٌ من "صحيح مسلم"، وهي نُسخة سَفَريّة "عِدّة ورقها مئةُ ورقة وثلاثٌ وسبعونَ ورقة، في كلِّ صَفْح منها خمسون سطرًا بخطِّ المتقِن البارع أبي عبد الله مالك بن يحيى بن أحمدَ بن وُهَيْب وباقتراح أبي عُمرَ المذكور نَسَخها كذلك عليه وقَصد بها تخفيفَ محمَلِها للرحلة والإغراب، وإنّها لمن أغربِ ما رأيتُ من نُسَخ صحيح مسلم وأشرفِها" (٢).

تأمَّلْ هذه العبارة الأخيرة، فإنها تشعرُ بوقوفه على عدد من نُسَخ "صحيح مسلم"، وكان كما نعلم يحظَى بمكانةٍ خاصّة وأولويّة معروفة عند الأندلسيِّين والمغاربة قديمًا. وقد أشار ابنُ عبد الملك إلى هذا في بعض تراجمه، ويتابعُ ابنُ


(١) الذيل والتكملة ٥/الترجمة ٦٣٥.
(٢) المصدر نفسه ٨/الترجمة ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>