للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغريب أن يورد الغزالي والآمدي وغيرهما مثالًا للإشارة: دلالة حديث: "تقعد إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم" - بذكر (الشطر) -: على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا، مستدلين لذلك بأن ذكر الشطر، كان للمبالغة في نقصان الدين، والمبالغة تقتضي ذكر أكثر ما يتعلق به الغرض، فلو كان زمان ترك الصلاة أكثر من الشطر وهو النصف لذكره الرسول (١).

وقد كنا حققنا ضعف تلك الرواية، وذكرنا الرواية الصحيحة للحديث بلفظ البخاري، وهي عارية عن كلمة "الشطر" (٢) غير ناسين أن نبيّن أنه لو صحّت رواية الشطر، فإنها لا تفي بالاستدلال؛ لأن هذه الكلمة ليست مقتصرة في اللفظ على النصف وإنما تأتي لمعانيَ أخرى.

على أن الشافعي كما حققنا هناك - لم يعتمد في تقرير أكثر مدة الحيض على مثل هذه الروايات من الأحاديث، وإنما اعتمد على الاستقراء من حالات بنات حواء. ولكل مجتهد نصيب (٣).

وعمل الغزالي وأمثاله ، إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن استنباط أحكام الشريعة من نصوص السنّة، لا تكفي فيه البضاعة المزجاة من الحديث، بل لا بد - إلى جانب الفقه والقدرة على الاستنباط - من معرفة بنصوص السنّة التي استوفت شروطها من حيث صلاحيتها للاحتجاج، وبذلك يصح أن تكون موارد للأحكام، وكم لأئمة الحديث من فضائل لا تُنكر في هذا المضمار، فقد تكفّلوا بتحرير المرحلة الأولى - وفق منهج علمي أمين للإفادة من السنّة الكريمة، وهي مرحلة ثبوت النص، تلك المرحلة التي لا بد منها لسلامة المورد في استنباط الأحكام.


(١) انظر: "المستصفى" (٢/ ١٨٨)، "إحكام الآمدي" (٣/ ٩٢)، "ابن الحاجب بشرح العضد مع التفتازاني" (٢/ ١٧٢).
(٢) انظر ما سبق (ص ٤١٢ - ٤١٤).
(٣) انظر ما سبق (ص ٤١٤ - ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>