وهكذا يبدو أن عبد العزيز البخاري ﵀، لو سلِم له المثال من ناحية الفقه والدراية؛ فإن قوة الدليل لم تسعفه من ناحية الرواية، حين أتى بالحديثين المذكورين ليضرب بهما مثلًا للتعارض في السنّة بين الظاهر والنص، وتقديم الأقوى منهما.
فالحديث الأول - وهو حديث وجوب الفاتحة - يرويه أحمد وأصحاب الكتب الستة، وتدعمه نصوص صحيحة أخرى.
والحديث الثاني "فقراءة الإمام له قراءة" حوله قيل وقال، وأقوى ما فيه أنه (مرسل). وعلى ذلك: لا يكون للمثال ما يجعله في موطن القوة وسلامة التطبيق، على قبول أن يكون بين النصين حمل للعام على الخاص - كما سبق -.
ثانيًا: تعارض المحكَم مع النص:
ويوردون لتعارض المحكَم مع النص قوله تعالى في سورة النساء الآية ٣: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ مع ما جاء في شأن زوجات الرسول ﷺ من قوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣].
فالأول وهو قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ. . .﴾ الآية - نص في إباحة أربع زوجات. وذلك يشمل زوجات الرسول ﷺ، بعد وفاته.
غير أن الثاني وهو قوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ. . .﴾ الآية، دلّ على تحريم الزواج بإحداهن بعد وفاته، والنص على التأبيد جعله محكمًا لا يحتمل النسخ والتبديل، فيقدم على النص في العمل بموجبه، ويحمل النص عليه.
= وقد نقل الشوكاني في "نيل الأوطار" (٢/ ٢٢٨) ما قاله الدارقطني وهو: أنه لم يُسند الحديث إلى موسى بن أبي عائشة غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان، وأن الصواب إرساله إذ قد رواه سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل، وسفيان بن عيينة وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلًا عن النبي ﷺ، وانظر "سنن الدارقطني": (١٢٣٣) و (١٢٣٤) و (١٢٥٣).