اختلف النقل، ونسب إلى إمام الحرمين الأخذ بهذا المفهوم، والمنع منه.
[استدلال القائلين بمفهوم الصفة]
لقد أورد الآمدي كثيرًا من الأدلة النقلية والعقلية للقائلين بمفهوم الصفة، وحاول أن يردها واحدًا بعد واحد، ولكن هذه الأدلة في نظرنا ترجع في الأهمية إلى دليلين اثنين:
الأول: أخذ أئمة اللغة بمفهوم الصفة.
الثاني: تخصيص الصفة بالذكر وتقييد الكلام بها: لا بد أن يكون لفائدة.
وإيضاح ذلك كما يلي:
الدليل الأول: لقد استدلوا بما روي عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال بهذا المفهوم واعتبره طريقًا من طرق الدلالة على الحكم. ففي قوله ﷺ: "لَيُّ الواجد يُحِل عِرْضُه وعقوبتُه. فهم أبو عبيد أن الرسول ﷺ أراد أن مَن ليس بواجد: لا يحل عرضُه وعقوبتُه. وصحّ عنه أنه قيل له في قوله ﷺ: "لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا حتى يَرِيَهُ (١) خير له من أن يمتلئ شعرًا" (٢) إن المراد بالشعر فيه الهجاء مطلقًا أو هجاء الرسول خاصة؟ فقال: لو لم يكن كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى؛ لأن قليله وكثيره سواء، فجعل الامتلاء من الشعر الكثير يوجب ذلك.
قال الآمدي: (ووجه الاحتجاج به: أن فهم تعلُّق الذم على امتلاء الجوف من ذلك مخالف لما دونه).
ولم يقتصر الأمر على أبي عبيد. فقد قال بمفهوم الصفة - كما قدّمنا -
(١) برِيَه: من الوَرْي وهو الداء، يقال: وَرْى يَوْرِي فهو موري إذا أصاب جوفَه الداء.
(٢) رواه أحمد في "مسنده" وأصحاب الكتب السنة. وانظر: "الجامع الصحيح" للبخاري مع "فتح الباري" (٦١٥٥)، "جامع الأصول" لابن الأثير (٣٢٢٠)، "الجامع الصغير" للسيوطي مع "فيض القدير" للمناوي (٥/ ٢٥٩).