للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصف علة لذلك الحكم، فكذلك إذا رتب الحكم على الوصف بالفاء تقديرًا: فإنه يدل على أن ذلك علة له (١).

ولكن هل دلالة الإيماء في حال كون الفاء مقدّرة، هي في الظهور كما لو كانت الفاء محققة؟

لقد ذكر العلماء أن الأولى دون الثانية في الظهور، شأنَ الفرق بين التقدير والتحقيق، ولاحتمال أن يكون المتكلم قد بدأ الكلام لا عن قصد الجواب، ولكن ذلك بعيد في حق النبي فيما فرض السؤال عنه.

وهكذا يكون وجوب الكفارة الذي نطق به الرسول: قويَّ الدلالة إيماءً على أن العلة في هذا الحكم هي الوقاع المذكور. ولا يقدح في قوة هذا الإيماء كونُ الفاء مقدّرة لا محققة، كما لا يقدح فيه احتمال أن يكون قد بدأ الكلام لا عن قصد الجواب (٢).

الرابعة: دلالة الإشارة (وهي دلالة اللفظ على لازم غير مقصود للمتكلم، لا يتوقف عليه صدق الكلام ولا صحته) فيقال: أشار النص إلى الحكم؛ فهو لم يقتضه ولا أومأ إليه (٣).

قال الغزالي: (فكما أن المتكلم قد يفهم بإشارته وحركته في أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ: فيسمى إشارة. فكذلك قد يتبع اللفظَ ما لم يقصد به ويبنى عليه) (٤). وفيما أوردناه من الأسئلة لإشارة النص لدى بحثها عند الحنفية غناء عن التكرار هنا في بحثها لدى المتكلمين. ولقد يكون من


(١) راجع: الآمدي في "الإحكام" (٣/ ٣٦٨). ولقد ذكرنا فيما مضى عن الخلاف بين الحنفية وغيرهم حول كون العلة الموجبة للكفارة في حديث الأعرابي هي الوقاع بعينه أم انتهاك حرمة رمضان بالإفطار سواء أكان ذلك بالوقاع أم بالأكل والشرب، انظر ذلك في (ص ٤٢٩ - ٤٣٠) مما سبق.
(٢) راجع: "الإحكام" للآمدي (٣/ ٣٦٨).
(٣) راجع: "البرهان" لإمام الحرمين (١/ لوحة ١١٩) فما بعدها، "مختصر المنتهى" لابن الحاجب مع "شرح العضد وحاشية التفتازاني" (٢/ ١٧٢)، "منهاج الوصول" في أصول الزيدية (ق ١٤٢/ ب).
(٤) راجع: "المستصفى" (٢/ ١٨٨)، "مسلم الثبوت" مع "فواتح الرحموت" (١/ ٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>