للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه المرتبة أشد نكارة من التي قبلها؛ لأن فيها من معاني وحدة الوجود الشيء الكثير، ومع أن الصاوي قد أقر بأن هذا مراد الصوفية من وحدة الوجود إلا أن هذا مما لا يسلم له بإطلاق، لأن وحدة الوجود بالمعنى الصوفي الفلسفي تعني أن عين وجود المخلوقات هو عين وجود الخالق تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

ولأهمية هذه القضية فسيأتي تفصيلها في مبحث مستقل بإذن الله تعالى.

* * *

وقد كان حديثه في باقي المقامات من الجمع والفرق، وجمع الجمع وغير ذلك مما كثر فيه خوض أرباب السلوك والأحوال، من الأمور التي لا يسلم إرادتها من جهة الشرع، وذلك لأنها من البدع المحدثة، التي لم ترد ألفاظها في الكتاب أو السنة، وعليه فمن غير المسلم أن تكون نهاية إرب أهل التوحيد وأولى الاستقامة، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

ثم أن ما تحويه هذه المصطلحات من ألفاظ غريبة، يصعب فهمها، ومعرفة معانيها لكثير من الناس، لما يقطع بعدم اعتمادها في هذه المرادات العظيمة، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - بعد أن سبر أغوار مذهبهم ومحصه على ضوء الهدى النبوي: "فلا تجد هذا التكلف الشديد، والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلًا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم، وإذا تأمله العارف وجده كلحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل، فيطول عليك الطريق، ويوسع لك العبارة، ويأتى بكل لفظ غريب، ومعنى أغرب من اللفظ، فإذا وصلت لم تجد معك حاصلًا طائلًا، ولكن تسمع جعجعة ولا ترى طحنًا" (١).

ومن جهة أخرى؛ فإنه لا يخفى ما في هذه الألفاظ والمعاني من التنطع الذي أتى بذمه الكتاب والسنة، وكما يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فإن لم تكن هذه الألفاظ والمعاني التي نجدها في كثير من كلام هؤلاء تنطعًا؛ فليس للتنطع حقيقة" (٢).


(١) مدارج السالكين: (٣/ ٤٠٥).
(٢) المرجع السابق: (٣/ ٤٠٧).

<<  <   >  >>