يقول الإمام ابن جرير في تفسير الآية:"يقول تعالى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائنا لهم، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكون ونحدث، لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه، فإنما نقول له: كن فيكون، لا معاناة فيه، ولا كلفة علينا.
واختلفت القراء في قراءة قوله: يكون، فقرأه أكثر قراء الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} كلام تام مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فيقال: فيكون، كما قال الشاعر: يريد أن يعربه فيعجبه" (١).
ولا شك أن هذا لا يكون إلا لله تعالى، واعتقاد أنه يحصل لغيره من خلقه بإذنه يحتاج إلى دليل يدل عليه، فإن عيسى - عليه السلام - وهو رسول أيده الله بالمعجزات إثباتًا لنبوته وتأييدًا له فأعجز قومه بإذن الله في إبراء الأكمه والأبرص وخلق الطيور من الطين والنفخ فيها، إلى غير ذلك لم يثبت أنه كان ينطق بهذه الكلمة:(كن فيكون) عند فعل هذه الأمور وإنما الذي ثبت أنه كان يدعو الله فيرقي المرضى فيشفيهم الله بحوله وقوته، وهي معجزة قد ثبتت حتى لنبينا - صلى الله عليه وسلم -.
ومن جهة أخرى فإن حقيقة المعجزات أفعال لله تعالى أيد بها عباده المرسلين؛ فلا تصح لأحد غيرهم.
فلما انعدم الدليل المؤيد لهذه المقولة واستبان خواؤها وبعدها عن الحجج البرهانية علم أنها من أوهام الصوفية، والتي تعد من وسائل الشرك الصريح، فإن اعتقاد الإذن لا يكفي في نسبة هذه الأمور التي علم بالضرورة اختصاص المولى بها لغير الله؛ ما لم يدل دليل صريح على إمكانها وحصولها، بل إن هذه المقولات وما يشابهها هي عين ما كان يشتبه على كفار قريش في آلهتهم التي كانوا يعتقدون عبوديتها لله ولكنهم ظنوا أن لها قدرة بإذن ربها على التصريف والعطاء والمنع لمكانتها عنده، فصرفوا لها الآلهة، وكانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى زلفى.