للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعصي الله فلا يعصه" (١). وهذا الاستنباط جيد لولا مخالفته لظاهر السنة، وهو أن من نذر معصية فإنه يحرم عليه فعلها, ولكن يكفر كفارة يمين، فإذا قال شخص: لله عليَّ نذر أن أذبح أول ولد يأتيني، ثم أتاه ولد فإنه لا يحل له أن يذبحه ولكن نقول: عليك على القول الراجح أن تكفر كفارة يمين.

* ومن فوائد قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩)}:

أنَّ الله تعالى أبقى لإبراهيم -عليه الصلاة السلام- ثناءً حسنًا وسلامًا في الآخرين. ثناء حسنًا يثني عليه بما حصل منه من الدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- والصبر على البلاء الذي حصل له بغير اختياره، والصبر على البلاء الذي حصل له باختياره.

فمن البلاء الذي حصل له بغير اختياره الإحراق حين قال قومه: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ}، [الأنبياء: ٦٨] ومن المعلوم ما يحصل للإنسان عندما يعزم على تحريقه لقاء الدعوة إلى الله؛ لأنه سيتألم لذلك ألمًا بدنيًّا وألمًا قلبيًّا. إن من الدعاة من إذا رأى عدم قبول الناس لدعوته تألم بمجرد أنهم لم يقبلوها فكيف إذا ردوها وأحرقوه من أجلها فإذا أشد ألمًا على القلب، ولا شك أن هذا بلاءً ومع ذلك صبر وأُلقي في النار، ولكن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أمرها أن تكون بردًا وسلامًا عليه.

البلاء الثاني الذي حصل باختياره هو الأمر بذبح ابنه وعزمه على أن ينفذ ذلك. هذا من الثناء الحسن على إبراهيم.


(١) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة (رقم ٦٦٩٦).

<<  <   >  >>