وقد سار عمرو على خطة أبيه في هذا الارتهان، وذات يوم سير الملك ركبًا من تغلب وبكر إلى جبال طيء، فأجلى البكريون التغلبيين عن الماء، ودفعوهم إلى مفازة، فتاهوا فيها، وماتوا عطشًا، هذا ما رواه الزوزني.
ويقال: جاء ناس من بني تغلب إلى بني بكر يستسقونهم، فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم، فرجعوا فمات منهم سبعون رجلًا عطشًا، ثم إن بني تغلب اجتمعوا لحرب بني بكر، واستعدت لهم بكرٌ أيضًا، حتى إذا كره كل صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، دعا بعضهم بعضًا إلى الصلح، فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلًا من بني بكر، فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا وتواعدوا اليوم يجتمعون فيه، هذه رواية لابن الأنباري ذكرها في الكلام عن حياة عمرو بن كلثوم.
وله رواية أخرى ذكرها في الكلام عن حياة الحارث بن حلزة تتلخص فيما يلي، كان عمرو بن هند جبارًا عظيم الشأن جمع بني بكر وبني تغلب، فأصلح بينهم وأخذ من الحيين رهنًا، من كل حي مائة غلام، وكف بعضهم عن بعض، فكان أولئك الرهن معه في أسفاره، فأصابتهم سموم في بعض أسفارهم، فهلك عامة التغلبيين، وسلم البكريون، فقالت تغلب لبكر: أعطونا ديات أبنائنا، فإن ذلك يلزمكم، فأبت بكر عليهم ذلك، وتخالفوا، ثم اتفقوا على أن يتحاكموا إلى الملك عمرو بن هند المذكور.
ولما كان يوم التقاضي انتدبت تغلب شاعرها وسيدها عمرو بن كلثوم للدفاع عنها، فأنشد عمرو قسمًا من معلقته، أما القسم الآخر، فقد زاده عليها بعد قتله عمرو بن هند على أثر محاولة أم الملك أن تستخدم ليلى أم عمرو بن كلثوم، وانظر الكلام عن حياة الحارث بن حلزة اليشكري، فإنه